من الواضح أن حوادث صيفنا اللاهب هذا العام لم تكن كافية لكي تزيد التصريحات الأخيرة للمستشار الإيراني شريعتمداري بشأن البحرين الأجواء سخونة عبر المقال الذي نشره في صحيفة «كيهان» الإيرانية والذي تحدث فيه عن ملكية إيران للبحرين. ويبدو أن سعادة المستشار ترك كل الموضوعات المتعلقة بسياسية بلده والتهديد الأميركي لها، وقرر أن يضرب على هذا الوتر من دون سابق إنذار أو مناسبة، ليعيد لأذهاننا مرة أخرى كلمات ومطالبات سمعناها كثيرا، وفي كل مرة تجد الموقف الجماعي الموحد نفسه.
وكأن التصويت الذي أشرفت عليه الأمم المتحدة قبل استقلال البحرين لم يكن كافيا ليعلن للعالم أجمع من هم البحرينيون، وماذا يريدون، حتى ترتفع هذه المزاعم التي اعتبرها الكثيرون « التركة السياسية لشاه إيران» والتي لم تنته بموته. فعلى رغم أنوفنا لا يزال كثير من الإيرانيين يرون أن البحرين ملكية تابعة لهم، وأنها محافظة إيرانية أخرى، بل إنني ذهلت عندما قابلت بعض الإيرانيين الذين حسبوا أن الشعب البحريني كله يتحدث ويفهم الفارسية، ومازلت أذكر كثيرا من الإيرانيين الذين قابلتهم خارج البحرين وفي كل مرة كانوا يكررون هذا الزعم، أن البحرين إيرانية، وأن الصغير في إيران قبل الكبير، العالم قبل الجاهل يعرف ذلك كلما تحدث أحد عن البحرين هناك.
بعيدا عن أية خلافات عرقية أو مذهبية تفرضها هذه المزاعم جميعها، لا يمكننا أن ننكر أن للمقال الذي نشره شريعتمداري أساسا نابعا من الفكر الإيراني، ولا يمكن أن ننكر أيضا أنه سيكون له صدى على الإيرانيين قبل غيرهم، فالفكرة التي عششت في أذهان الشعب الإيراني طويلا، لا تزال تجد لها من يسمعها، ولا بد أن يكون لها تأثير عاجلا أم آجلا. وكلما خفتت جذوة هذا الموضوع فمن المتوقع أن يعود اشتعال فتيلها مرة أخرى، مادام للفكرة أصل وجذور.
ردود الفعل المحلية كانت متوقعة، بل ومطلوبة، لوضع النقاط على الحروف لعل القصة تنتهي ويعرف العالم موقف البحرينيين أنفسهم، فيريحون ويستريحون. اتفقت الآراء الحكومية مع آراء القادة والسياسيين والناشطين والإعلاميين، والأهم طبعا أفراد الشعب جميعهم على رفض هذه التصريحات التي لم يكن لها أي موقع من الإعراب. ويكفي لنقيس نبض الشارع البحريني « بصدق» أن نقرأ ما كتبه الناس صراحة على شبكة الانترنت في مختلف المواقع الالكترونية ردا على هذه التصريحات. نسي الجميع الخلافات المحلية والمماحكات السياسية بين الحكومة والمعارضة والأطراف الأخرى وتبنوا رأيا موحدا رافضا لهذه التصريحات جملة وتفصيلا. ومن باب « وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم»، ربما كانت هذه التصريحات التي اعتبرناها شرا، هي خير في الأساس جمعنا على موقف واحد بعد كثير من الخلافات.
أمر واحد لا يزال يثير التخوف في هذه القضية، هو أن يستغل مثل هذا الموضوع بعض المتصيدين في الماء العكر، لتحميل هذه التصريحات أكثر مما تحتمل، والتشكيك في الموقف والانتماء والولاء مرة أخرى، وتفسير كل شيء بناء على سوء الظن. حصول هذا الأمر سيقود بالضرورة إلى منعطف خطير ستكون له تأثيراته على الصعيد المحلي والقضايا الوطنية قبل كل شيء، مثلما حصل الأمر سابقا. نتمنى أن يركز الجميع على توحيد الصف في هذا الإطار، والتفرغ للبناء الداخلي بدلا من تبادل اتهامات وهمية لن تجر علينا إلا ويلات من نوع آخر.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1772 - الجمعة 13 يوليو 2007م الموافق 27 جمادى الآخرة 1428هـ