العدد 1772 - الجمعة 13 يوليو 2007م الموافق 27 جمادى الآخرة 1428هـ

ما لم يقله علي ربيعة في كتابه (2 - 2)

فوزية مطر comments [at] alwasatnews.com

في الوقت الذي أطنب علي ربيعة في كتابه «لجنة العريضة الشعبية في مسار النضال الوطني في البحرين» وتوسّع في تفاصيل كثيرة تتعلق بموضوعات عدّة بعضها هامشي بالنسبة إلى متن الكتاب ومادته الأساس، نجده أغفل جهود وظروف صوغ العريضتين النخبوية والشعبية. لقد كان إقدام أي شخص - حينها - على صوغ وثيقة من هذا النوع مجازفة كبرى غير محمودة العواقب. مرّ المؤلف مرور الكرام على ظروف وجهود الصوغ من دون أن يذكر أن صيغة العريضة النخبوية خرجت من تلاقح ودمج عدد من الصياغات. فقد أعد المحامي عبدالوهاب أمين صوغا، وأعدّ المحامي محمد أحمد صوغا، وأعدّ المحامي أحمد الشملان صوغا وأعد الأستاذ علي ربيعة والشيخ عبداللطيف المحمود صوغا ومنها جميعا وبعد ما أضافته اللجنة الأساس خرجت الصيغة النهائية للعريضة النخبوية.

كذلك لم يتطرق المؤلف لظروف صوغ العريضة الشعبية على رغم الأهمية، فقبل إقرار إصدار العريضة الشعبية كان هناك توجه لإصدار مذكرة. يقول عضو لجنة العريضة عبدالوهاب حسين:» كانت الفكرة الأولى أن نرفع مذكرة إلى الأمير الراحل الشيخ عيسى بن سلمان آل خليفة تتناول الحاجة للإصلاح السياسي الشامل في البلاد، على أن يقوم عدد من النخبة بتوقيعها ورفعها إلى الأمير الراحل على خطى العريضة النخبوية السابقة، وكنتُ شخصيا قد كتبت هذه المذكرة وقدّمتها إلى أعضاء اللجنة، وبعد التداول ارتأينا أن نستبدل المذكرة بعريضة شعبية ورجحت لدينا فكرة العريضة الشعبية، واتفقنا على الخطوط العريضة والأفكار الرئيسية، وكلفنا الأخ أحمد الشملان بصوغ المسودة». وهكذا قامت اللجنة بإجراء ما يلزم من تنقيح وتعديل ؛لتكتمل العريضة بصورتها النهائية ويتم توقيعها من قبل أعضاء اللجنة في منزل الشيخ عبدالأمير الجمري وتنطلق من هناك لتوقع على النطاق الشعبي العام.

وهنا نشير إلى أن المؤلّف لم يتطرق لدور عضو لجنة العريضة منيرة فخرو وما اقترحته من إضافات تتعلق بالمرأة البحرينية لنص العريضة. والمداولات التي تمت بشأن ذلك والجهود التي بُذلت لإقناع الأعضاء الإسلاميين في اللجنة لتثبيت النقاط وما تم فعلا تثبيته منها في نص العريضة. من جانب آخر أغفل المؤلف الحديث عن ظروف انضمام المرأة الوحيدة الى لجنة العريضة كما أغفل عرض الدور الكبير الذي لعبته منيرة فخرو في التعريف باللجنة وبالحركة المطلبية على النطاق العالمي وفي أروقة الأمم المتحدة فترة بقائها في الخارج. هذا إلى جانب عدم تطرقه لنقيصة مهمة في العريضة النخبوية وهي عدم تطرقها لموضوع المرأة وعدم توقيعها من قبل نساء.

بالإضافة إلى ذلك تجاهل علي ربيعة التطرّق إلى الأدوار البارزة التي اضطلع بها الأعضاء النشطاء في لجنة العريضة، وإذا كان قد ورد في الكتاب شيء من ذلك فقد جاء من دون وضع الأدوار في سياقاتها خلال الأحداث. لقد كانت اللجنة تضم أعضاء نشطاء على المستوى الميداني ومستوى التواصل مع مختلف فئات المواطنين من دون الاقتصار على العمل النخبوي في نطاق اللجنة. لقد كان ملموسا في هذا المجال دور كل من أحمد الشملان وسعيد العسبول وإبراهيم كمال الدين وعبدالله مطيويع وعبدالله هاشم. فمن بين عناصر التيار الوطني الديمقراطي في اللجنة تميز هؤلاء على الصعيد الميداني ونشطوا في جمع التواقيع وتوزيع البيانات والتواصل مع الناس.

من جانب آخر، لم يتطرق المؤلف إلى الدور النشط الذي اضطلع به المحامي عبدالله هاشم ككادر قريب من اللجنة منذ تأسيسها ودوره في جمع التواقيع وفي التصدّي للدفاع عن كثير المعتقلين، ولم يذكر المؤلف شيئا عن دعوة اللجنة لانضمام عبدالله هاشم وآخرين إلى عضويتها بعد اعتقال الرموز الدينية وخروج الشيخ عبداللطيف المحمود من عضويتها. كما لم يتطرّق المؤلف إلى الدور الجسور الذي قام به عبدالله هاشم كصوت إعلامي مرتفع للجنة بعد اعتقال عضوها المحامي أحمد الشملان.

وإذا كان المؤلف قد أفسح جزءا من كتابه لاستعراض ظروف اعتقال أحمد الشملان ومرضه، فقد كان من المثير للاستغراب تجاهله - خلال سرده للحوادث والتطورات - التطرّق إلى الدور المحوري الذي كان يؤديه الشملان في عمل اللجنة بكل محطة من المحطات. ذلك الدور الذي استمر ديناميكيا منذ ما قبل تشكل اللجنة العام 1991 حتى مرض أحمد الشملان في يوليو 1997 واعتزاله القسري للعمل السياسي. أزعم أن أي تأريخ للجنة العريضة سيكون ناقصا ومجحفا إن هو مر مرور الكرام على دور أحمد الشملان المحوري في عملها بشهادة القاصي قبل الداني. لقد كان الشملان هو فعلا «دينامو» اللجنة والقناة الأساس لاتصالها بالمعارضة في الخارج وانفتاحها على المنظمات والشخصيات الدولية.

جنّد أحمد الشملان نفسه وطاقاته لعمل اللجنة وإنجاز مهماتها وفتح مكتبه لمعظم اجتماعاتها وطباعة رسائلها وبياناتها ولإرسال وتسلم مراسلاتها. ثم كيف يتطرّق المؤلف إلى الكتابات التي طالبت بالديمقراطية منذ مطلع التسعينيات من دون أن يستشهد بكتابات أحمد الشملان الذي مثل الصوت الأعلى بكثير الصحف المحلية والخليجية في المطالبة بعودة الحياة الدستورية وبالديمقراطية منذ وقت مبكر كان فيه مجرد ذكر كلمة الديمقراطية يعتبر جريمة كبرى. وكيف يستشهد المؤلف - انتقائيا - بكتابات نشرت في «القدس العربي» تحلل الحوادث وتدين منحى الجهة الرسمية في طأفنة التحرّك المطلبي خلال التسعينات، ويتجاهل مقالا مهما نشره أحمد الشملان في الصحيفة ذاتها بتاريخ 4/5/1995 بعنوان «البحرين: هل هي معارضة أم ممازحة؟». وهو المقال الذي وُزع بشكل واسع وترك صدى كبيرا كما قدّمته نيابة أمن الدولة ضمن وثائقها في محاكمة الشملان بقصد إدانته!. ولِمَ لَمْ تدفع دقة المؤلف وأمانته بأن يستشهد بأحد تصريحات أو أحاديث الشملان لوكالات الأنباء أو إذاعات الـ «بي بي سي» أو «مونت كارلو» أو «العالم» أو غيرها إبان حموة الحوادث وحرارتها؟!

إن شهادات زملاء الشملان في لجنة العريضة خير توثيق لذلك الدور المحوري الذي أغفله مؤلف الكتاب. يقول الشيخ عيسى الجودر: «كان أحمد الشملان هو المحرّك الفعّال للجنة». وتقول منيرة فخرو: «كان أحمد الشملان هو الدينامو في لجنة العريضة ؛لأنه شخص سلس ومرن ويصل للناس ولم يضع التخوف عقبة أمامه. وأحمد الشملان هو من أوصلني في تلك المرحلة لأجواء العمل السياسي التي كنت بعيدة عنها وهو من جاءني يدعوني للانضمام للجنة العريضة».

ويقول سعيد العسبول:» كان الأخ أحمد الشملان هو عمود الخيمة في لجنة العريضة. كان له دور كبير جدا في موضوع العريضة وفي موضوع التعبئة. وكان يمتاز بالدينامية وهذه الدينامية لم تكن في الحقيقة متوافرة عند أي أحد منّا. هذه الدينامية الوحيدة الذي كان يمتلكها هو أحمد الشملان». ويقول عبدالله مطيويع:» كان أحمد الشملان هو من يتصل بالخارج بشكل دائم ولم يكن أحد من لجنة العريضة يقوم بهذا الدور الذي أعتقد أنه كان دورا شجاعا، وحينما اعتقل الشملان فترت حيوية اللجنة وارتخت والبعض تراجع». وقال محسن مرهون: «أحمد الشملان كان دائما هو رأس الحربة، كان دائما في الواجهة وفي المواجهة. كان هو فعلا صاحب المهام الصعبة». وقال إبراهيم كمال الدين: «أحمد الشملان هو من صاغ العريضة الشعبية وفي مكتبه كنّا نجري الكثير من اللقاءات والاجتماعات وقد تأثر عمل اللجنة كثيرا بعد اعتقاله ؛لأنه كان محورا في اللجنة». وقال عبدالوهاب حسين: «كان للأستاذ أحمد الشملان حضوره البارز ودوره الفاعل معنا في لجنة العريضة، سواء على مستوى الصياغة والتدقيق والتصحيح، أو على مستوى جمع التواقيع والحوار السياسي في الشئون الوطنية والإقليمية والدولية، وقد استفادت لجنة العريضة كثيرا من الخبرة السياسية للشملان نظرا إلى تاريخه السياسي والنضالي الطويل، ثم لخبرته كمحامي وصحافي». وقال المحامي عبدالله هاشم: «أحمد الشملان كان يعبّر بجرأة نادرة عن مجموع الحركة، كان ناطقا رسميا عن الحركة من دون تعيين وهذا ما جعل دوره دورا مركزيا ؛لأن ما جعله ناطقا رسميا هو شجاعته وعدم وجود من يعبّر في ذلك الوقت. وباعتقال أحمد الشملان فُقدت عملية التعبير العام عن الحركة. وبمرضه فقدنا الرجل الأول في لجنة العريضة ومن لا يقر بذلك فهو جاحد». ويقول مؤلف الكتاب نفسه علي ربيعة في شهادة خارج نطاق الكتاب: «بدون مبالغة كان دور أحمد الشملان دور مهم جدا. كان هو الذي يصيغ الرسائل باستمرار لمخاطبة السلطة إلى أن مرض. ونتيجة لنشاطه المتميز الذي كان يقوم به من بين مجموعة لجنة العريضة كان الشملان يتعرض للضغوطات والتهديد والاستجواب المستمر والاستدعاءات التي لم تنقطع».

هل يجوز - بعد كل ما قيل - عدم التطرّق إلى دور أحمد الشملان في سياق جميع الحوادث والتطورات التي جرت حينها؟! وهل يجوز تجاهل الإشارة إلى التكريم الذي خُص به اللورد ايفبوري باسم أحمد الشملان في الاحتفال الاحتفائي بقدوم اللورد للبحرين؟!

استفاض المؤلف في الحديث عن موضوع المبادرة داخل المعتقل وتشكل لجنة أصحاب المبادرة وعكف على طرح رؤيته وتقييمه للمبادرة وأصحابها وتدعيم ذلك بكل ما تهيّأ له من شواهد. وفي الوقت الذي دان فيه خطوة المبادرة وأصحابها من أعضاء لجنة العريضة، فإنه لم يلتفت لتقييم أداء اللجنة عموماَ وبعد اعتقال الرموز الدينية خصوصا. فبعد اعتقال أعضاء اللجنة من الإسلاميين كاد عمل لجنة العريضة - وفقا لتسلسل استعراض المؤلف - أن يقتصر على ردات فعل لا أكثر تجاه الحدث الجاري على الأرض والمواقف الناتجة عنه. وغاب دور اللجنة عن مواصلة الترويج للعريضة وتنشيط الحركة المطلبية وبذل الجهد لكسب تأييد التيار الوطني الديمقراطي وتحلقه - نخبا وشارعا - بشأن اللجنة وطروحاتها. كما أن المؤلف أغفل التطرق إلى بعض المآخذ على لجنة العريضة، فلجنة وطنية بهذا الثقل المجتمعي والقيمة التاريخية والفعل السياسي الجسور ظلت تعمل من دون آليات تنظيمية تحكم عملها. لم ترسِ اللجنة نظاما محكما لاجتماعاتها فلا جداول عمل للاجتماعات ولا محاضر مسجلة للجلسات ولا توزيع محدد للمسئوليات.

نؤيد انتقاد المؤلف لسباق تشكل الجمعيات السياسية كما نؤيد قوله - ضمن استنتاجاته - أن تشكيل الجمعيات السياسية قد أدى إلى انفراط عقد الوحدة الوطنية، لكننا نستغرب أن المؤلف نفسه كان عضوا نشطا بإحدى الجمعيات السياسية وتولى أحد مناصبها القيادية في أول دورة انتخابية لها.

لم يوفر المؤلف أحدا ومن كل طيف سياسي ومجتمعي وديني فقد طال الكثيرين بنقده أو إدانته. ونزعم أن عملية التأريخ وتوثيق مواقف الشخصيات أمر موضوعي ومطلوب، لكن إذا بلغ توثيق بعض المواقف ثم نقدها وإدانتها حد التعرية أو التجريح خرج التأريخ والتوثيق عن موضوعيته ورصانته.

أخيرا، لا نبالغ إذا قلنا إن هذا الكتاب يضاهي في قيمته التاريخية كتاب عبدالرحمن الباكر «من البحرين إلى المنفى». وإذا كان البعض قد أخذ على الباكر تجيير بعض مادة كتابه لترجيح دور شخصي له في قيادة هيئة الاتحاد الوطني 1954 - 1956 على حساب زملائه، فنخشى أن يكون علي ربيعة قد نحى المنحى ذاته.

إقرأ أيضا لـ "فوزية مطر"

العدد 1772 - الجمعة 13 يوليو 2007م الموافق 27 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً