الطائفية شعبة من شعب العصبية، وهي عمل غير صالح. قال فيها زين العابدين علي بن الحسين (رضي الله عنهما): «العصبية التي يؤثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين، وليس العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن العصبية أن يعين قومه على الظلم». رحمك الله يا «بن خير عباد الله كلهم التقي النقي الطاهر العلم».
هذا الملخص يغني عن كثير من الاطلاع والبحث عن مفهوم الطائفية التي هي شعبة من شعب العصبية. والعصبية قد تكون قبلية أوعرقية أو لغوية - أي: لدى أهل لغة - أو مذهبية/ طائفية، والأخيرة مدار الرحى في هذا المقال.
ملخص البحث في ألا يرى الرجل - أو المرأة - شرار القوم ومفسديهم خيرا من الشرفاء والموفين بعهودهم إذا ما عاهدوا من قوم آخرين... فلا يأتي سني أو شيعي ويقول إن «فلانا» في النهاية (سني أم شيعي؟)، ويجب أن نحميه ولو كان هذا المنتمي إلى الطائفة فاسدا!
إن أكثر ما يرهب الفاسدين انزياح الفكر الوطني الحر الشريف عن الساحة السياسية، وولوج الطائفيين من كلا الطرفين (السنة والشيعة) إليها، إذ تحت ظلال الطائفة تتم حماية الفاسدين، وبمرور الانتماء الطائفي يتم حجب تطبيق القانون عليهم. حينها يكون شرار الطائفة خيرا من خيار طوائف أخرى؛ وبالتالي تتم حمايتهم باسم الطائفة والانتساب إلى الطائفة... فالفيصل ليس أن هذا شريف ومخلص وأمين وذاك لص وسارق؛ بل الفيصل أن هذا سني وذاك شيعي.
ساهم الاحتلال الأميركي للعراق بشكل كبير في تأجيج الصدور، وتقليب حال التعايش السلمي الطوائفي في المجتمع العراقي رأسا على عقب، ليس بالتحول السياسي من حكم إلى آخر، بل زراعة الألغام الطائفية؛ ما وسّع الاحتلال ذلك، استنادا إلى المبدأ الاستعماري «فرق تسد» أو أفسد تسد. كما أنه لا يخامر الشك أي باحث في المشكل الطائفي، في الخليج العربي، أن من أبرز سلبيات ثورة العام 1979 في إيران - ولكل ثورة إيجابياتها وسلبياتها - أنها أججت ذلك الصراع من خلال التدخلات المعروفة، التي كانت تجري تحت مبدأ «تصدير الثورة».
لا ينكر وجود الانقسام الطائفي قبل هذا وتلك؛ إلا لم يكن بهذه الحدة التي هو عليها اليوم. وعلى رغم وجوده، كنا نتعايش متحابين متجانسين نعمل جنبا إلى جنب، ويتزاوج السنة من الشيعة والعكس، ويعطف السني على الشيعي والعكس. ولكن التاريخ الفعلي للانقسام المنهجي والتباعد الحقيقي بدأ مذ البرنامج الأول لتصدير الثورة، الذي بعد قرابة ربع قرن قد ألحق بالشيعة العرب، من أهل الخليج العربي، ما ألحقه من ضرر، ولم ينالهم (تماما كما هي حال الشيعة العرب في حوزستان بإيران) أي خير من تلك الثورة؛ بل إن أبرز سلبياتها على شيعة الخليج العربي، أن جعلتهم في موضع المساءلة والاتهام على الدوام! بعض تلك التهم الموجهة إلى بعضهم بحق، وجلها من دون وجه حق!
كما ساهم الكثير من الكتّاب والمثقفين في ترسيخ المعيار الطائفي لدى الناس، ويتم ذلك حينما يتطرق الكاتب والصحافي إلى المسئول الفاسد، الذي لا ينتمي إلى طائفته، ويفضحه على رؤوس الأشهاد، وذلك أمر جيد، على حين يقوم الكاتب ذاته بالتستر والسكوت عن المسئول الفاسد الذي ينتمي إلى طائفته، وهذا هو الفعل الطائفي البغيض.
هذه الصورة القاتمة لما وصل إليه الأمر في الخليج العربي، تحتم علينا شعوبا، وكتّابا وصحافيين، الالتفات إلى خيار خلافا للخيار الذي يرى شرار القوم خيرا من خيار قوم آخرين... أن نلتفت إلى ما يجمعنا ولا يفرقنا، ألا وهو ترسيخ مفهوم المواطنة بين الناس، والتي قوامها المساواة أمام القانون، وإبعاد ما يؤجج الطائفية في المجتمع. هذا التأجيج الطائفي لم يكن له من خير إلا في الخراب والشتات، والظلم وتجويع الناس، وتوتير الأجواء الاجتماعية وتعكير الصفو الأهلي العام بين السنة والشيعة! فالطائفية دعوة منتنة فاجتنبوها!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1770 - الأربعاء 11 يوليو 2007م الموافق 25 جمادى الآخرة 1428هـ