العدد 1770 - الأربعاء 11 يوليو 2007م الموافق 25 جمادى الآخرة 1428هـ

مراجعة قصة «التمكين»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في أوّل عام دراسي بكلية الخليج الصناعية (جامعة البحرين حاليا)، جرت انتخابات لمجلس الطلبة، أسفرت عن فوز أربعة إسلاميين وأربعة يساريين، ومستقل واحد، ودخل الكاتب بإحدى اللجان. هكذا كانت الصورة في العام 1979، الذي سيشهد بعد قليل تنافسا واحتكاكا متزايدا بين الفكرتين.

كان كلّ طرف يسعى لتعزيز مكانته وكسب مزيد من الأنصار، ولكن لم يمض أكثر من عام حتى ألقت الأوضاع الأمنية المتوترة ظلالها على المشهد الطلابي بالكلية. الندوات الثقافية والمعارض الفنية والأمسيات الشعرية والأنشطة الطلابية تجمّدت، فبات الوضع خانقا. لم نكن ندرك حينها أبعاد «لعبة الأمم» وما تعنيه الأساطيل و«قوات التدخل السريع» التي أعدت خصيصا للخليج، خصوصا بعد الاحتلال السوفياتي لأفغانستان، وما قيل إن خطوتهم التالية القفز إلى «المياه الدافئة» في الخليج!

بعد عشر سنوات، انهار الاتحاد السوفياتي وتفكك المعسكر الشرقي، وحدث الانقلاب «الجهادي» العنيف ضد السياسة الأميركية في المنطقة. واليوم، عندما تستعيد الشريط، لا ترى غير لاعبين صغارا أضاعوا أعمارهم في لعبة أمم صغيرة. الخليج لم يعد تحت سيطرة أهله، والنفط مازال يتدفق وبالكميات والأسعار التي يرغب بها المستهلكون، في أغرب ظاهرة اقتصادية في السوق، بينما مازلنا نتلهى - يساريين وإسلاميين- بتكسير أضراس بعضنا بعضا، ونعيش على الأوهام، وإحداها قصة «التمكين» التي لا نريد أن نتجاوزها نحن الإسلاميين.

مَنْ يسمعنا يظنّ أن «العلمانيين»، هم الذين يسيطرون على مفاصل الدولة؛ ويتحكّمون في المناهج الدراسية بوزارة التربية والتعليم، ويسيّرون وزارة الإعلام، ويخطّطون للعبث بالتركيبة السكانية وتغييرها وفق خطة مشبوهة لإغراق البلد بمختلف الجنسيات، ويشرفون على برنامج «السويتج المذهبي».

ولنكن دقيقين، لم يخترع «العلمانيون»، وخصوصا في جمعيات التحالف الرباعي، السياحة غير النظيفة، ولم يؤسسوا «المناهل» أو يجلبوا الرقيق الأبيض من مختلف القارات. وليسوا وراء «تجارة البشر» التي انتقدتنا عليها الأمم المتحدة، في أحدث نماذج «السخرة» في العصر الحديث. وأصحابنا ليسوا وراء تدمير البيئة أو الفساد الإداري أو المالي.

ومن المؤكّد أن العلمانيين (وخصوصا أصحابنا المناضلين في التحالف الرباعي) ليسوا وراء فكرة بيع السواحل والفشوت أو تجارة «الفري فيزا»، التي أنتجت هذا العار الكبير في تاريخ البحرين، والمتمثل بزيادة أعداد العمال الأجانب الفقراء الذين يُقدِمون على الانتحار بسبب أوضاع العمل البائسة.

يوم كنّا طلابا في بداية حياتنا الجامعية، كنّا نشعر كتيارات بالغِيرة من بعضنا بعضا، حين ينظم كلّ طرف نشاطا ثقافيا أو يصدر مجلة حائطية، والإشكال أن تبقى هذه الغِيرة معنا بعد ربع قرن، فنحزن لاستقطاب تيار آخر من الحلفاء جمهورا أكثر في بعض الندوات، ولا نسأل أنفسنا: لماذا؟ هل لقوة الخطاب الآخر أو لضعف وتردّد خطابنا وابتعاده رويدا رويدا عن هموم الناس؟

بلد ٌ متأصل فيه الفكر الإسلامي، لا ينبغي المبالغة من خطر «العلمانية» عليه، وإنّما البحث عن مصادر القلق الأخرى التي تهدّد مستقبله واستقراره السياسي والاجتماعي، من توزيع غير عادل للثروة، واستئثار بالمال العام، وتطبيق القانون على الفقراء واستثناء ذوي النفوذ، في أقوى مظاهر الاستخفاف بـ «دولة القانون»، التي تحلم بها الأجيال المتعاقبةمنذ مطلع القرن.

للتذكير فقط... التيارات التي تنافست في انتخابات الكلية في 1979، التأم شملها في العام 1989 في معتقلات «أمن الدولة»... وهناك اكتشف الطرفان حقيقة «التمكين».

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1770 - الأربعاء 11 يوليو 2007م الموافق 25 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً