إن جاز لنا التعبير وبعيدا عن المبالغات، فإن هناك مخاضات عسيرة، وآمالا كبيرة معقودة ومعلقة لتحقيق المصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية وطي صفحة الماضي.
العدالة الانتقالية الموضوع القديم الجديد على الساحة والملف العالق الذي لم يجهض ولم يولد إلى الآن والولادة لاتزال متعسرة وأتوقع أن تكون ولادته مؤلمة جدا ولكنْ هناك أعين تترقب الولادة وهناك أرجل أخرى تتحين الفرص لركله وضربه ليسقط على الأرض بلا روح، فقد مضت سنون وإلى الآن لم يتزحزح الملف من مكانه على رغم المحاولات، ونأمل في أن تكون التحركات الحالية سببا في ولادة المشروع وخروجه إلى الدنيا مشافى ومعافى بلا تشوهات خَلْقية بعد أن تجاوز مرحلة أن يخرج إلى هذه الدنيا وهو غير مكتمل النمو (خديج)، فالبعض لايزال يحلو له أن يسدد إليه الضربات المبرحة وهو لايزال في بطن أمه ولا يقوى على الضرب، والبعض الآخر أكثر حقدا وكرها له ويريد أن يجهضه بعد أن كبر في الأحشاء وبات كائنا، لا يمكن تجاهله أو الصد عنه، بمجرد أن شعروا بالرفسات التي جاءت منه وهو لايزال في عالمه الخاص عالم الأرحام، والقلاقل التي أحدثتها على الساحة المحلية وخصوصا بعد لقاء جلالة الملك الجمعيات الحقوقية حديثا وموقفه الإيجابي الكبير من خلال مباركته الملكية تشكيل هيئة وطنية للمصالحة والعدالة الانتقالية، وليس بغريب على جلالة الملك صاحب الرؤية الثاقبة أن يبارك الخطوات الوطنية الإيجابية التي بدورها تنقلنا من حال إلى حال أفضل وهو الذي جاء بالمشروع الإصلاحي ونقلنا من مرحلة إلى أخرى، فكيف لا وهو يرى بأم عينيه حجم هذا الكائن ويتمنى له أن يولد ولادة السلامة.
البعض وللأسف الشديد لا يحلو له أن تتم ولادة هذا الحمل هكذا ولادة طبيعية بلا مضاعفات بل لا يرغب في التدخل الطبي له من خلال ولادة قيصرية، وبالتالي مزيد من المنغصات ومزيد من الركلات ومزيد من العراقيل. لمثل هؤلاء نقول لهم: لا أظنكم على صواب عندما تعتقدون بأن مشروع المصالحة الوطنية مشروع ترفي أو جيء به؛ لتحقيق مكاسب فئوية؛ لأن هناك الكثير من العقلاء الذين فعلا كانوا ولايزالون يتمنون أنهم ليسوا بحاجة إلى المصالحة الوطنية، وأنه لا يوجد هناك ضحايا للتعذيب، ولم يتمنوا يوما أن يكون حملهم كاذبا بل لم يكونوا في يوم من الأيام بحاجة إلى الادعاء بالألم والوجع والشعور بالثقل؛ لوفروا على أنفسهم مرحلة الانتظار الكريه والألم والمخاض العسير الذي ينتظر الولادة كما وفروا على أنفسهم تحمّل سماع الكلام الجارح.
نحتاج إلى فهم بعضنا أكثر وأن نتعامل بحس وطني وبحسن نوايا ونشعر بهموم بعضنا بعضا، لنطرح الحقد يوما على قارعة الطريق، ولنتركه لغيرنا يحمله معه أينما يذهب وكيفما يشاء، ولتصفو قلوبنا ساعة واحدة على الأقل كي نرى الحقيقة غير مشوشة، ولنسلك طريق المصالحة الوطنية ولنساهم في وضع القطار على السكة الصحيحة، ولننشد العدالة الانتقالية، ولا نكون عبيدا إلا لله وحده، ونتصرف بمسئولية ونَحِنَّ على إخوتنا ونخشى على أنفسنا من غضب الرب، ولا نكون ظلاّما، ونتعلم دائما وأبدا أن نقول خيرا أو نصمت فالسكوت دائما من ذهب والذهب معدن ثمين لا يتغير. دعونا من الآن نستفيد من تجارب الماضي ونستفيد من تجاربَ من حولنا فلا عيب في ذلك، وعلينا ألا نكيل بمكايلين، فعندما نأتي بالخبراء من كل حدب وصوب ونبعثر الأموال ندعي أننا نريد أن نتقدم في المشروعات والبرامج ونستفيد من الدول التي سبقتنا في ذلك، وعندما نستعين بالنهج نفسه في الإطار السياسي أو الحقوقي يعاب علينا ونصبح نكتة الموسم، ونتهم بأننا نشرك الآخرين في تقرير مصيرنا وأننا نستورد الأفكار من الخارج ونتهم بأننا مقلدون نقلد كل شيء من حولنا وأن عقولنا شبه جامدة لا تقوى على البحث عن حلول تناسب أوضاعنا وووو...
لا نناور في القضايا الحساسة والمفصلية حتى لا نخسر الفرص المتاحة أمامنا فجلالة الملك قالها وبكل صراحة إنه لا يمانع تشكيل هيئة وطنية للمصالحة الوطنية. لنتعلم من صراحته ولنستفد من مواقفه الوطنية، وعلينا من اليوم أن نستفيد من المباركة ونستغلها لصالح المتضررين. لماذا يأتي البعض علينا في الساعات الحرجة ليخرج برأسه لينغص علينا ويأخذنا من جديد إلى الوراء خطوات ولحظات؟ ما المصلحة الوطنية في ذلك؟ ولماذا في كل مرة علينا أن نصنع العجلة من جديد؟ نريد فقط أن نفهم.
كما نريد للمخاض العسير أن ينتهي فالآمال لاتزال معلقة، والمفاتيح لاتزال في أيدينا فلا نضيعها، ولا نضيع بوصلتنا الوطنية. نريد للضحايا أن يأخذوا حقوقهم ونطوي صفحة الماضي ونفتح صفحة جديدة والوطن هو الرابح الأكبر وعلى الجمهور أن يتحلى الذوق والصبر.
إقرأ أيضا لـ "سكينة العكري"العدد 1770 - الأربعاء 11 يوليو 2007م الموافق 25 جمادى الآخرة 1428هـ