«البحرينيون ما منهم فايدة ولا يتساعدون مع الإدارة، ودائما يتهاوشون مع بعضهم بعضا ولا يريحون وما عندهم حتى ولاء للشركة والمؤسسة التي يشتغلون بها وأنا أثق بالإدارة ولا أثق بالبحرينيين الذين جربتهم كثيرا. المشكلة في البحرينيين أنفسهم» لم تكن هذه الكلمات المحبطة والمثبطة هي تصريحات معتادة لأحد أرباب العمل وكبار المسئولين الإداريين الأجانب في مؤسسة تعيسة، وهو يتهرب من تحسين أوضاع عمالتها المحلية، ويبتغي الاستفادة والاستنفاع قدر الإمكان من وضعه المرموق في الشركة واستقطاب «جماعته»، وتكوين الشبكات الانتفاعية على حساب البحرين والبحرينيين، وهم الذين لا يقلون أبدا جدارة كفاءة، بل ربما يتميزون من نموذج النصاب الدولي هذا وسواه بالكثير!
كما أنها ليست أبدا تصريحات من مسئول حكومي ورسمي تطعن في قدرات البحريني وكفاءته، وتسعى إلى تكريس صورة نمطية جائرة للموظف والعامل البحريني وتعميمها، والذي عادة ما يتم توصيفه بالخامل والكسول والمتغيب الذي يريد أن ينام ويحصل بلا مقابل على رغم أن هنالك شركات عملاقة في الدول المجاورة لم يتسنَ لها أن تنهض إلا بعقول وسواعد بحرينيين، بعد أن وجدوا لهم بيئة صحية ومتسعا من التقدير والاحترام والتثمين!
بل هذه المرة نسبت هذه العبارات إلى نائب من نواب الشعب، قدم إليه أحد المواطنين طلبا ورجاء بالنظر في أمر الموظفين البحرينيين في أحد القطاعات، وخصوصا لدى إحدى الشركات الوطنية باعتبارهم يعانون من أوضاع وظيفية رديئة سببها تدني الرواتب؛ ما يدفع بهم إلى العمل في دول الخليج المجاورة لدى شركات أخرى بالوظائف ذاتها مع رواتب وامتيازات مضاعفة مرارا، والويل الويل حينها لمن يصطدم منهم بقيود وعوامل تبقيه في جحيمه الإقطاعي الاستنزافي ذاته المصنف وطنيا وتعرقل حلمه بالنزوح والهجرة نحو دول الجوار، ومنها بلا شك قيود وشروط طائفية صارمة أحيانا تبقيهم على مقاعد إحباطاتهم المعيشية والوظيفية ذاتها!
وبحسب جواب النائب المنسوب إليه والمعزز بشواهدَ عدة تحكم أداءه البرلماني، فإن المشكلة كانت ولاتزال في الموظف البحريني أولا وآخرا، في تذمره وشكواه الدائمة، في مزاجه المتعكر دوما، وقلة إنتاجيته، وقلة ابتسامته، وعدم تصالحه مع الإدارة العليا للشركة والمؤسسة التي يعمل فيها، وفي انخفاض إنتاجيته الملحوظ جراء ذلك، وفي سعيه إلى إثارة المشكلات مع زملائه ومع مسئوليه في العمل، فربما لو أخذنا عينات من هؤلاء البحرينيين المدمرين، وقمنا باستزراعهم وظيفيا في كذا مؤسسة وشركة وقطاع، وفي كذا بقعة عالمية لحققوا من عظيم الوبال والدمار ما لم تحققه غيرهم من أزمات شبكات الفساد والأمراض والأوبئة المؤسساتية، ولا مبالغة في القول إنهم قد يكونون مثل بني إسرائيل، وهم ليس لهم ولاء أبدا للمؤسسة، ولا يحبون ويبجلون مسئوليهم، ويبوسون خشومهم، فهم بحق أصل الكارثة وجذر الدمار ورائحة الحطام المؤسساتي بشهادة مسئوليهم البحرينيين والأجانب، حتى بشهادة نوابهم وممثليهم الذين يضيقون بهم ذرعا قبل غيرهم!
وإن كان هؤلاء النواب «الشهود» ضد الشعب مازالوا يصنفون على أنهم ضمن قوى المعارضة التي أخذت على عاتقها حمل المطالب الشعبية الوطنية، ووعدت رفع ملفات القضايا والأزمات المعيشية التي يعاني من ويلاتها المواطن البحريني المزعج حد الهلاك والمعكر لمزاج سعادة النائب، هذا النائب الذي قد كان مشغولا بأسئلة محورية أهم، مثل «أيهما أفضل المرسيدس أم اللكزس أم البي إم، البي إم أم اللكزس أم المرسيدس؟»، ومحزون بقضية وضع البساط الأحمر تحت أقدام سعادته، وأن يحظى بحسن الاستقبال من قبل ممثلي البعثات البحرينية الدبلوماسية في الخارج وقتما حل!
وإن كنا نذكر لهذا النائب الفاضل تصريحه المشع بالسخط والفورة، وهو يخاطب الحكومة بنبرة تحذيرية صارمة تطالب بتوفير المخصصات والامتيازات النيابية من سيارات فاخرة ورواتب خيالية فورا ومن دون تأخير، وذلك مع مطلع دور الانعقاد الأول، وبعدها سعيه الحثيث في سبيل تحقيق الغاية المثلى التي تروم مساواة أوضاع النواب بالوزراء، وعدم التفرقة بينهم أبدا في الرواتب والمخصصات قبل مسألة السلطات والصلاحيات!
فهذا النائب ربما امتاز من زملائه بمعاناته المريرة مع عقدة الأجنبي، فكل ما يأتي من الخارج هو لديه حق من دون باطل، أما الداخل فهو باطل من دون وجه حق على الدوام، فانعكست للأسف تلك العقدة العصابية على أدائه البرلماني الذي يستعد من خلاله للتعاطف والتحالف مع كبار المسئولين الأجانب قبل البحرينيين على رغم مسئولية تمثيله المواطن البحريني بحكم الدستور قبل أن يكون مسئولا عن الوصول إلى غايته اليعقوبية غير المعلنة جراء مثل هذا الانخراط البرلماني، الذي ربما يشكّل لديه مثل هذا الانضمام الكلي إلى كتلة معارضة كبرى إحراجا وعارضا وعائقا يجب تلافيه والانزواء بعيدا عنه!
فهل هذا النائب يمثل الشعب؟ أم يمثل كتلته؟ أم يمثل نفسه؟ أم المريخ؟
ولربما لم يخطر على بال صاحبنا وهو النائب عن الشعب والمصنف سياسيا ولو اسميا ضمن خانة المعارضة، وهو في الوقت ذاته الأكاديمي الاقتصادي المولع بالأرقام القياسية والأرباح الكبرى والأرصدة الفلكية التي نادرا ما يرصعها بعبارات سياسية بليغة تحظى بشعبية عارمة في أوساط المواطنين المسحوقين والمهمشين لبعد غرضي فاقع، كما لم يطرأ على باله أن من انتخبه هم البحرينيون أنفسهم وليسوا المريخيين، فهو نائب البحرينيين وليس نائب المريخيين، وإن كانت تتم مطالبة البحرينيين في كل لحظة أو أحيانا ويتم ابتزازهم سياسيا بالولاء، فإن ذلك لا يمكن أن يتم، ولا يجوز أصلا أن يكون بمعزل عن أن يكونوا قبلها مواطنين أصحاء وينالوا مواطنتهم القويمة كاملة!
وبمستوى أقل لا يمكن أن يكون الموظفون البحرينيون - وخصوصا الصغار منهم - مطالبين بولاء معزز للشركة أو المؤسسة، وابتسامة ناصعة دائمة ترتسم على المحيا، ومزاج رائق، وإنتاجية محترمة، وتعاون وتماثل لائق طالما ظلوا يعانون ويقاسون صنوف الإحباط والحرمان والتمييز المؤسساتي المترهل والتهميش المستمر!
فهل بمقدور نائبنا المحترم أن يطرح أسئلة عميقة كهذه بدلا من الاكتفاء بتعليق آمال وردية على سماء من خيال، وعقد الصداقات وربط الثقات غير المجدية نفعا طالما أنها لم تترجم لصالح أوضاع المواطنين البحرينيين، فهي من دون ذلك الشرط والمعيار الوطني الجوهري لا تخرج عن كونها صفقاتٍ ومصالحَ خاصة لا عامة؟
لا أعتقد أن نائبنا يجهل أن تلك السكرة النيوليبرالية الشاهقة، وهذه الأرقام الوردية الهائلة المعلقة في السماء كركام الغيوم تصبح أجملَ إذا ما تمت قسمتها بعدالة على الشعب، وإلا فإنها تظل أرقاما كبيرة معلقة في فضاءات التخيل الاقتصادي والسياسي لا تجدي نفعا، ولا يستفيد المواطن أصلا من ظلها وضلالها وما يقتطع وينهب منه!
أو أن يكون نائبنا - هداه الله - في موقع الناصح المبين للموظفين البحرينيين، وهو الذي عُرِفَ عنه التغيب المستمر عن حضور الجلسات واجتماعات اللجان وضعف الأداء البرلماني، اللهم إن لم يكن هو الآخر خائبا ومحبطا، فأعانه الله على ذلك، وأعان الله الشعب البحريني على خيباته وعلى إحباطاته الأعظم!
فهذا الشعب المحبط قد يجد في تصريحات بعض أعضاء مجلس الشورى التمثيل اللائق والمحترم بشكل أكبر بأضعاف من أداء نائبٍ كصاحبنا، وهو يسبب للشعب الإحراج و «الحارج»، ويكون هذا الأداء البرلماني في إطار الكتلة والبرلمان أشبه ما يكون بأداء الفنان الراحل إسماعيل ياسين في أفلامه، أو ربما شخصية «بِنْك بَنْثر»!
إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"العدد 1770 - الأربعاء 11 يوليو 2007م الموافق 25 جمادى الآخرة 1428هـ