أعادت سيطرة «حماس» العسكرية على غزة - التي وقعت حديثا - تشكيل أوراق اللعب السياسية الفلسطينية بشكل كامل. تماما مثل أي زلزال سياسي بهذا الحجم، يقدم الوضع الجديد فرصا ومخاطرَ. ما يقرر من الفائز هو السياسات التي سيُجرى تبنيها للتعامل مع الوقائع الجديدة.
قبل الخوض فيما يجب أن تكونه هذه السياسات في مضمون تحقيق السلام الفلسطيني - الإسرائيلي، يستحق الأمر تحليل السياسات الفاشلة التي نتجت من وضع غزة، إذ إنه من الحكمة القول إن هذه النتيجة لم تكن هي المقصودة، إلا بالنسبة إلى «حماس» وسورية وإيران.
اللوم متوافر بأشكال متعددة. لم تتعامل القيادة الفلسطينية بحزم لا مع التهديد العسكري المتنامي لـ «حماس»، إذ إن هذا اللاعب السياسي الفلسطيني الجديد فشل في التعامل مع الحظر على المعونة الدولية المفروضة على الفلسطينيين وشروط إزالته. شجع ذلك عناصرَ داخل كل من «حماس» و «فتح» كانت غير راضية عن حكومة التحالف التي نتجت من «مكة»، إيمانا بأن بإمكانها تدمير الطرف الآخر.
على الصعيد الأوسع عملت السياسات الإسرائيلية والأميركية التي ركزت على عزل «حماس» من دون التركيز بالقوة نفسها تقريبا على تقوية عباس بأكثرَ من كلمات معسولة، على مزيد من الإضعاف للرئيس الفلسطيني داخليا وعملت على تجميع الفلسطينيين حول «حماس». كما أن شروط اللجنة الرباعية على رغم أنها ضرورية بكونها نتيجة نهائية لم تكن واقعية بالنسبة إلى إطارها الزمني وعدم مرونتها في تشجيع حركة «حماس» المتلمّسة تجاهها.
أما إيران التي تطمح إلى أن تصبح القوة الإقليمية الرئيسية، فقد تبنّت القضية الفلسطينية لأجل مصالحها الخاصة وقامت بتزويد «حماس» بالأسلحة والأموال عبر حدود غزة وسيناء الخلافية.
تتطلب عملية صوغ سياسات جديدة قد تحقق نتائجها المرجوة أولا وقبل كل شيء، الاعتراف بهذه الحقائق الثلاث. أولا: لن يكون هناك استقرار وأمن للفلسطينيين أو الإسرائيليين أو المنطقة بأسرها من دون قدر - ولو قليل - من الوحدة بين الفلسطينيين، تماما مثلما لن تكون هناك عملية سلام من دون أقل حد من الإجماع الفلسطيني.
ثانيا: إن سياسة إطعام الضفة الغربية وتجويع غزة هي وهْم. لن يجلس أي رئيس فلسطيني حالي أو مستقبلي يستحق الاحترام صامتا، على حين يعاني مليون ونصف مليون مدني في غزة من العقاب الجماعي نتيجة لسيطرة «حماس». إضافة إلى ذلك، فإن شعبا جائعا هائجا لن يلقي باللائمة على «حماس» لحاله وإنما سينضم دونما شك ليس إلى «حماس» فقط وإنما إلى منظمات تتبع تنظيم «القاعدة»، وهو أمر ينذر بالسوء.
ثالثا: لا يمكن شطب «حماس» من المسرح السياسي الفلسطيني أو تدميرها عسكريا، فقد أصبحت «حماس» - التي تدين بالكثير أثناء فترة تطورها التشكيلي للدعم الإسرائيلي وبصعودها السياسي الرسمي لإصرار الولايات المتحدة على إجراء الانتخابات التي أتت بها إلى السلطة - عنصرا دائم الوجود في الصورة الفلسطينية، بدعم من أقلية ذات حجم، من الفلسطينيين والإيرانيين والسوريين.
إذا أخذنا هذه الوقائع الثلاث في الاعتبار، فإن تشكيل السياسات التي تحافظ على الوحدة بين الفلسطينيين وتحقيق أمن «إسرائيل» وتخطيط الطريق نحو تسوية سلمية متفاوض عليها للنزاع ترتكز على حل الدولتين، يجب أن تحتوي على المكونات التالية:
يجب إعطاء الحرية للرئيس الفلسطيني، ورئيس الوزراء ووزير المالية في توزيع المعونات الدولية ليس فقط في الضفة الغربية وإنما كذلك في غزة، إما لتوفير الاحتياجات الإنسانية لغزة وإما لدفع رواتب العمال والموظفين هناك بمن فيهم أفراد قوات الأمن الذين يدينون بالولاء للحكومة الجديدة.
يجب أن تنتقل الجهود لدعم عباس وبرنامجه في تحقيق الدولة من خلال المفاوضات السلمية إلى ما وراء الكلام المعسول، وتضم تجميد «إسرائيل» عمليات الاستيطان وإزالة البؤر الاستيطانية المتقدمة ونقاط التفتيش وإطلاق الأسرى الفلسطينيين والاستمرار بتسليم العوائد الضريبية الفلسطينية، وأخيرا وليس آخرا بالتأكيد، البدء بمحادثات جادة لحل سياسي نهائي.
كما يجب أن تسمح الجهود المبررة بعزل «حماس» عسكريا ودبلوماسيا وسياسيا للحركة بطريق للخروج وسبيل للتحول إلى منظمة سياسية بشكل صارم من خلال تحقيق الشروط ضمن إطار زمني واقعي.
المطلوب فورا التزام «حماس» التام وقف إطلاق النار وإعطاء عباس السلطة الكاملة للتفاوض على تسوية دائمة مع «إسرائيل». المطلوب فيما بعد الاعتراف بـ «إسرائيل»، وإلا فستعود «حماس» إلى دورها مخربا خارج الساحة السياسة مع تداعيات عنفية تجاه الإسرائيليين والفلسطينيين.
ستسمح عملية تقوية عباس وإصلاح «فتح» لعباس بالتفاوض على اتفاق مستقبلي لتقاسم السلطة وإصلاح «حماس» من موقع مساواة ومصداقية مع الشعب الفلسطيني. سيجعل ذلك الدولة تبدو حقيقية بشكل كافٍ للفلسطينيين وبالغالبية لأن تتخلى عن رؤية «حماس» وجاذبيتها.
عندما يبدأ الفلسطينيون الإيمان بأن صفقة حقيقية لحل الدولتين أصبحت متوافرة من خلال عباس، فسيعيد الكثيرون النظر في دعمهم «حماس»، كما ظهر بشكل متكرر في استطلاعات أظهرت أن غالبية الفلسطينيين يؤيدون حلّ الدولتين. وأخيرا، يتوجب على الولايات المتحدة - بصفتها لاعبا لا يمكن الاستغناء عنه في النزاع - أن تعود إلى المشاركة بشكل جدي مستدام. على رغم أن الوقت قد فات لتحقيق رؤية الرئيس الأميركي جورج بوش للدولة الفلسطينية خلال الشهور القليلة المتبقية لفترته الرئاسية، فإنه يمكن القيام بإعدادٍ جادٍّ لأرضية تستطيع الإدارة القادمة أن تبني عليها.
البديل ليس ببساطة نهاية الحلم الفلسطيني بدولة وإنما هو نضوج أكثر العناصر الإسلامية تطرفا كما ثبت في العراق ولبنان وغزة. هذه الدوامة سيحصد نتائجها الجميع.
*المدير التنفيذي لفريق العمل الأميركي عن فلسطين، وهي منظمة تدعو إلى اهتمام الولايات المتحدة
بإنشاء دولة فلسطينية إلى جانب «إسرائيل، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1770 - الأربعاء 11 يوليو 2007م الموافق 25 جمادى الآخرة 1428هـ