العدد 2263 - السبت 15 نوفمبر 2008م الموافق 16 ذي القعدة 1429هـ

لماذا ضاق المسئولون في ديوان الخدمة المدنية ذرعا بالرأي الآخر؟

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

رد ديوان الخدمة هذه المرة بعصبية على مقالي المنشور في صحيفة «الوسط» بتاريخ 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2008 متوعدا بإقحام النيابة العامة في موضوع رأي حول ما تضمنته اللائحة الداخلية من تجاوزات لقانون الخدمة المدنية, بدعوى أن ما عبّرت عنه من رأي يعد اتهاما خطيرا وقذفا وتشهيرا.

وبقدر إيماني الشديد بحرية التعبير التي كفلها الدستور وأكدتها قيادتنا السياسية في مناسبات عدة, وبإيماني بعدالة نظامنا القضائي، فإنني بالقدر ذاته أحترم حق المسئولين في ديوان الخدمة في اللجوء إلى القضاء.

وحرصا مني على إيضاح الحقيقة وتجنب أية قراءة خاطئة لقانون الخدمة المدنية، بات لزاما تناول ما ورد في رد الديوان من تفسيرات جانبها الصواب.

أولا: شمول التنفيذيين بالعمل الإضافي

عرفت المادة (2) من القانون الوظائف العليا بأنها الوظائف التي يعين شاغلوها بمرسوم أو قرار. وقد استثنى القانون في المادة رقم (33) شاغلي هذه الوظائف من العمل الإضافي. ويجادل ديوان الخدمة على أن كلمة من في حكمهم الواردة في المادة (33) تشير إلى وظائف المديرين بالوكالة والأمناء العامين المعينين أيضا بمرسوم أو قرار بالرغم من كونهم مشمولين سلفا ضمن الوظائف العليا كما ورد في بداية النص. فما الغرض إذا من اضافة كلمة من في حكمهم غير استثناء شاغلي وظائف عليا اخرى على الجدول التنفيذي والتخصصي والأكاديمي الا انهم ليسوا معينين بمرسوم أو قرار؟ وهذه وظائف العليا تتساوى من حيث المسئولية وطبيعة العمل والمستوى الوظيفي مع وظائف المعينين بمرسوم او قرار. ولو قصد المشرع من اضافة كلمة من في حكمهم اولئك الموظفين المعينين بمرسوم او قرار المذكورين في بداية النص لانتفت الحاجة إلى هذه الكلمة لكون وجودها يعتبر تكرارا، وهذه ما لا يستقيم مع أية قراءة سليمة للنص. فالمادة (33) قد استثنت جميع المعينين بمرسوم او قرار بغض النظر عن مسماهم الوظيفي. ومادام الأمين العام او المدير بالوكالة معينا بمرسوم او قرار فإنه مشمول بتعريف الوظائف العليا بصورة طبيعية. وهنا تصبح اضافة كلمة من في حكمهم مجرد تحصيل حاصل ولا معنى لها من الأعراب حسب تفسير الديوان.

فأين الخلط الذي يتحدث عنه الديوان سوى الرغبة في دفع اجور العمل الإضافي لمن هم في حكم شاغلي الوظائف العليا ولكنهم غير معينين بمرسوم او قرار؟ ومن جهة اخرى لو افترضنا صحة قراءة ديوان الخدمة للنص فإن التفسير للمادة حسب هذه القراءة ستكون كالآتي:

يستثنى المعينون بمرسوم او قرار على وظائف عليا من العمل الإضافي, وكذلك من في حكمهم من المعينين بمرسوم او قرار. وهذا لا يستقيم مع النص وما قصده المشرع من ادخال كلمة من في حكمهم والمراد بها شاغلو الوظائف المتساوية مع الوظائف العليا من حيث المسئولية وطبيعة العمل الا أنهم غير معينين بمرسوم أو قرار. وقد برر الديوان قراره شمول شاغلي الوظائف العليا بالعمل الإضافي باتباع بعض الشركات لهذه الطريقة. ولربما قصد الديوان بذلك مكافأة البونس التي تمنحها بعض الشركات لموظفيها, وهي آلية صحيحة ولكنها تختلف عن عداد ساعات العمل الاضافي الذي يتبناه الديوان خلافا للقانون.

ثانيا: تعيين بعض الأطباء على وظائف تنفيذية

يبرر الديوان هذا الخلط في جداول الأجور بالحاجة لمعالجة أوضاع الأطباء الذين وصلوا نهاية مربوط الدرجة. فالديوان أراد هنا ان يكحلها فعماها. فبدلا من تعديل الجدول التخصصي بإضافة درجة او درجتين على غرار ما فعل في جدول الوظائف التنفيذية، قام بترحيل بعض الأطباء من جدولهم إلى جدول الوظائف التنفيذية في مخالفة صريحة للمادة السابعة من القانون والتي كلفت الديوان بترتيب الوظائف وتجميعها في فئات تتضمن كل فئة الوظائف المتماثلة في طبيعة العمل ونوع الواجبات والمسئوليات. فأي تماثل بين وظيفة الطبيب ووظيفة التنفيذي؟ ويبرر الديوان هذه المخالفات بكونها مطبقة منذ العام 1996 وهي السنة التي نقلت فيها من الديوان إلى وزارة الأعلام متناسيا ان تحويل الأطباء قد تم بعد العام 2000، وان ما كان مطبقا على بعض شاغلي وظائف في الجداول الأخرى راجع الى تغيير في طبيعة العمل او ترقيات الى وظائف تنفيذية. وحتى لو افترضنا صحة تبرير الديوان فإن صدور قانون الخدمة المدنية يوجب تفعيل مواده بدلا من تشريع ما سبقه من ممارسات تتعارض مع مواده في لائحة داخلية.

اما بالنسبة لتضمين اللائحة التنفيذية حكما بعدم جواز تشغيل النساء ليلا، فنتمنى من الديوان الكشف عن مرجعية او نص في القانون يجيز لهم ذلك سوى تنظيم دورات العمل للموظف بغض النظر عن جنسه وبدون استهداف النساء بصورة منفصلة عن بقية الموظفين. فمادامت كلمة موظف تعني الذكر والأنثى فلماذا معاملتهما بشكل مختلف؟

ثالثا: التعبير عن الرأي حول مسألة تهم أوضاع الموظفين والمواطنين يشكل قذفا وتشهيرا:

هذا ما توصل اليه ديوان الخدمة ليرفع بموجبه الأمر الى النيابة العامة. فمن المعروف ان رجل القانون مدرب على صياغة المادة في اطارها القانوني، اما الجانب الفني في مضمون المادة ومحتواها وآلية العمل System فهي امور فنية يوفرها ذوو الاختصاص كالطبيب والمحاسب والإداري لرجل القانون ليكمل كل طرف الآخر. فأي نقص في كفاءة احدهما يؤثر في عمل الآخر. وعندما لا يرى المسئولون في الديوان الفرق بين الدرجة وجدول الأجور فإن هناك نقصا في الخبرة والمعرفة تتعلق بآلية تصنيف الوظائف نتج عنها اصدار لائحة تنفيذية متعارضة في بعض موادها مع القانون، وهذا ما أثبته في مقالاتي الأخيرة.

أما بشأن تسييس العمل في الخدمة المدنية، فهذا أمر طبيعي كون الديوان سلطة مركزية مسئولة عن اقتراح سياسات التوظيف والأجور والتدريب وتقييم الأداء. وكذلك تطبيقها. فمن الطبيعي والحال هكذا ان يمارس الديوان السياسة. فلماذا الزعل يا ديوان الخدمة؟

اما اذا كان المسئولون في الديوان قد فهموا التسييس من جانبه السلبي فمن حقهم ان يتحسسوا ما على رؤوسهم. فالمادة (16)، والمادة (18)، والمادة (4) من الدستور، وكذلك المادة (4) والمادة (13)، والمادة (14) من قانون الخدمة المدنية كلها تنص على المساواة وتكافؤ الفرص، وعلى نظام الجدارة الذي يوجب تطبيقه الإعلان عن الشواغر، واجتياز لاختبارات الوظيفية وفتح المنافسة لاختيار الأكفأ. فأين موقع ديوان الخدمة هنا من هذه النصوص الدستورية والقانونية؟ فنظرة فاحصة على هيكلة الوظائف العليا في ديوان الخدمة التي كانت يوما ما قطعة من الموزاييك الجميلة تعكس هوية الوطن المتجانسة، نراها اليوم وقد استبدلت بقطعة ذات لون واحد. فهل حدث كل ذلك بفعل تطبيق نظام الجدارة؟ أم بات علينا البحث عن اسباب اخرى؟ وهل بوسعنا تبرئة التسييس من هذه الأفعال؟

الإخوة الأعزاء في ديوان الخدمة, ان المكابرة والتصعيد يجعل الظهر مكشوفا وعلى جميع المستويات, إلا أن حرصنا على سمعة الوطن يفرض علينا جميعا قدرا من المسئولية. فهذه أميركا تنصب أسودا في البيت الأبيض وتتجاوز اخطاء الماضي لكي تنتصر لقضاياها وهمومها.

فأحبوا أيها الأعزاء قومكم لتكبروا فينتصر الوطن بجميع مكوناته. دعاؤنا لكم أيها الأحبة بالهداية والتوفيق

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 2263 - السبت 15 نوفمبر 2008م الموافق 16 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً