العدد 1769 - الثلثاء 10 يوليو 2007م الموافق 24 جمادى الآخرة 1428هـ

حرب طواحين الهواء

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

من القضايا التي شغلت الساحة في الأسبوعين الأخيرين، وربما تستمر تفاعلاتها لأسابيع أخرى، شعار «لتسقط العلمانية»، وإن كنا نتمنى أن يسرع إلى تطويقها العقلاء.

ولأن العلمانية تيار فكري وسياسي موجود قبل عشرات السنين بحكم أسبقية التعليم وقِدَم البعثات، ولكون البحرين بلدا مفتوحا، فإن العلمانية لن تختفي من الوجود عندما نردّد شعارا بسقوطها. هذا التيار من لحمٍ ودم، له شخصياته ورموزه ومؤسساته وجمعياته، ولا يمكن المطالبة بإلغائها جميعا من الوجود، لمجرد الاختلاف مع بعض أفراده في قضيةٍ مثل استقطاع الـ %1 أصبحت تافهة أمام هذا التصعيد.

ثم أنه من ناحية النظرة السياسية العامة علينا أن نكون دقيقين حتى على مستوى إطلاق الشعار، خصوصا أن ما يجري في البلد ليس حربا من جماعة «علمانية» ضد الإسلام حتى نطالب بإسقاطها، وإنما خلافٌ بين أنصار المال والاستحواذ وبين طلاّب العدالة والإنصاف، بغض النظر عن المذهب أو العرق والدين.

وهذا ليس تشخيصا انفعاليا للكاتب، وإنما هو نظرة الإمام الخميني (ره) الذي بُحّ صوته بتذكير جموع المؤمنين: «صلِّ ما شئت، وصُم ما شئت. إنهم لا يريدون صلاتك ولا صومك، بل يريدون نفطك». أذكرها هنا حتى لا يتورّط بعضنا في حروب مفتعلة، يكثر فيها الشامتون من أعداء العدالة والإصلاح. ولعل خير دليل أن هناك «مشايخ دين» تعرفونهم بأسمائهم، باعوا عمائمهم وقبضوا ووصلوا، وهناك «أفندية» و«علمانيون» آثروا التعفّف والنزاهة ونظافة اليد... فحذارِ أن تضيعوا البوصلة.

ثم أنه من غير المعقول أن تتحكّم في الساحة في مطلع الألفية الثالثة عُقد السبعينات، حين كانت التيارات السياسية تتصارع فيما بينها على لا شيء. حينها ربما كان مبرّرا من الإسلاميين أن يستنفروا لإثبات وجودهم أمام «المد الأحمر»، الذي كان يستقطب الشباب الجامعي، أما اليوم فالعالم كله تغيّر، الاتحاد السوفياتي اختفى، ولم يعد للايديولوجيا الشيوعية من وهج أمام اكتساح الإسلاميين للساحة الشعبية، فإلى متى نبقى أسرى عُقد وهواجس السبعينات؟

العلمانية ليست خطرا اليوم على الشعب البحريني وأخلاقه وتديّنه، فهذا الشعب هو الذي أعطى ثقته المطلقة لكتلة الوفاق بوصفها «كتلة إيمانية»، وهو الذي أعاد انتخاب «الأصالة» و«المنبر» لأنهما «إسلاميتان» وليس لإنجازهما المبهر في البرلمان السابق. فلماذا نختلق عفاريت من الجن الأحمر ثم نعلن الحرب عليها؟

نعم، هناك تيار علماني، وهناك أشخاص لا يتورعون عن التعبير عن عدائهم للإسلام، ولكنهم ليسوا من القيادات الوطنية المخلصة التي نعرفها في جمعيات التحالف الرباعي، والتي ما فتئت تكافح من أجل حقوق هذا الشعب في حياة حرة كريمة، لئلا نحوّل الصديق إلى عدو في طرفة عين، بسبب لحظة غضب أو انفعال أو خطأ في التشخيص.

من المؤسف حقا أن يبدأ الشيخ محمد صنقور، وله موقعه في المجلس العلمائي، حديثه في ندوة «الوسط» أمس، بحديث نظري عن العلمانية بعيدا عن واقع الحياة، يفهم منه المتلقي انها إسقاطٌ وكأنها سبب البلاء والشقاء في هذا البلد، بينما لم يتوقف لحظة أمام الثروة العامة أو «بيت مال المسلمين»، أو ما أثير من صفقة بيع «فشت الجارم»، أو جريمة الإجهاز على خليج توبلي.

حريٌ بالإسلاميين ألاّ يضيعوا البوصلة بعد كل هذا النضال المشترك والعذابات والتضحيات، وألاّ يتورّطوا في حرب طواحين الهواء، الخاسر فيها الفقراء والمحرومون والمساكين والغارمون والطبقة العاملة. أنا لست شيوعيا بالمناسبة، لكنّي من عشّاق شخصٍ حكيمٍ كان يتقرّب إلى الله بتوزيع العسل على الأيتام، وقُتل في محراب مسجد الكوفة فجرا... من أجل دفاعه عن الفقراء.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 1769 - الثلثاء 10 يوليو 2007م الموافق 24 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً