العدد 1769 - الثلثاء 10 يوليو 2007م الموافق 24 جمادى الآخرة 1428هـ

من أوراق حرب تموز (5)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل نحو سنة بدأت حكومة تل أبيب سياسة التدمير المنهجي لقطاع غزة بذريعة خطف جندي إسرائيلي برتبة كابورال. وفي 12 يوليو/ تموز نفذ حزب الله عملية دفاعية نوعية داخل الحدود الدولية فتذرعت حكومة إيهود أولمرت بالهجوم لتشن حملة تقطيع أوصال للبنى التحتية وقرى الجنوب والجسور والمؤسسات والمدارس والمطارات لمدة 33 يوما.

تحت وقع الضربات الجوية والبرية والبحرية التي باشرتها تل أبيب مستفيدة من الدعم الدولي دخل لبنان (دولة ومقاومة) مرحلة سياسية حساسة شكلت نقطة انعطاف في تاريخه. حتى الآن لا يزال هذا البلد الصغير يعاني من ارتدادات ذاك الزلزال على مستويات مختلفة.

آنذاك كتب الكثير عن العدوان وجرت قراءات مختلفة لمجرى الحرب وغاياتها القريبة والبعيدة. وتابعت «الوسط» الوقائع الميدانية يوميا وعلقت عليها في مقالات حاولت قدر الإمكان التقاط تلك الإشارات التي أرادت واشنطن توجيهها للعاصمة بيروت، ومختلف دول المنطقة العربية والإسلامية من تحت الأنقاض.

تعليقات كاتب هذه السطور صدرت في جو دولي وعربي ولبناني مضطرب ساده الغموض وعدم وضوح الرؤية للأسباب والنتائج المترتبة عن هذا العدوان.

الكتابة اليومية مشكلة وخصوصا حين تسجل الانطباعات تحت وقع ضربات الحرب وسياسة التحطيم المنهجي والمبرمج. وحين تكون الكتابة مهمة يومية يصبح على الكاتب واجب توضيح الصورة من كل زواياها ومن دون انفعال بالحدث حتى لا تنزلق الكلمات إلى مكان تنعدم فيه العقلانية والواقعية.

مضت الآن سنة على تلك المقالات. وفي مناسبة الذكرى الأولى للعدوان سيتم نشر 5 في المئة فقط من تلك الأوراق لتقديم فكرة موجزة عن انطباعات تلك اللحظات المؤلمة والقاسية. ونسبة 5 في المئة تشكل عينة بسيطة ولكنها كافية لتسجيل وقائع بدأت في قطاع غزة وانتهت في تلك الجلسة التي عقدها الكنيست الإسرائيلي لمحاسبة حكومة أولمرت على ما أسمته إخفاقات الحرب.

الهجوم البري وشروطه (9/8/2006)

مضى 29 يوما على «مخاض الشرق الأوسط الجديد» وحتى اللحظة لايزال العدوان الأميركي الصهيوني يواصل تدميره المنهجي لمقومات الكيان اللبناني (دولة ومقاومة).

وكل ما أحدثته «إسرائيل» من خراب عام جرى بذريعة «خطف جنديين». فحكومة إيهود أولمرت تعتبر أن ما ارتكبته من تحطيم للبنى التحتية والسكانية وكل ما نفذته من طلعات جوية وقصف بري وبحري وجرائم ومجازر كان مجرد رد فعل على فعل وانها لاتزال تخوض حرب دفاع عن هجمات صاروخية.

تبقى الكرة في ملعب حزب الله. فالحزب الممثل في الحكومة وافق على خطوة إرسال الجيش إلى الجنوب. تبقى خطوات أخرى وهي انسحاب قواته من المنطقة العازلة من الحدود إلى الليطاني أو الأولي وأخيرا الدخول في مفاوضات لترتيب مسألة السلاح وعودته إلى ممارسة نشاطاته المدنية كحزب سياسي في إطار النسيج الاجتماعي/ الأهلي اللبناني.

تصدع المشهد اللبناني (10/8/2006)

شهر مضى على العدوان ولايزال مجلس الأمن يواصل مباحثاته بشأن مشروع قرار أميركي فرنسي. وقبل أن تتوافق دول المجلس على قرار موحد بدأ التصدع يضرب جدران القوى السياسية الدولية والعربية والإقليمية.

هذه المواقف الانتظارية تكشف عن وجود تصدع في الجبهات السياسية والدبلوماسية والعسكرية، الأمر الذي يفسر قول الرئيس شيراك إن مسألة المفاوضات طويلة وقد تستغرق نحو أسبوع قبل التوافق على صدور قرار دولي بشأن لبنان والعدوان الإسرائيلي.

إذا على لبنان الانتظار. وبين تصدع المواقف والانشطار الأهلي/ السياسي الداخلي بات البلد الصغير ساحة مفتوحة للتجاذبات الدولية والإقليمية. والساحة كما يبدو كانت بحاجة إلى مسرح لإعادة تمثيل المشهد ودراسة الموازين والمعادلات. وهذا ما يحصل من دون توقف منذ 12 يوليو/ تموز الماضي...

ارتباك... أم مخططات جديدة؟ (11/8/2006)

الارتباك سيد الموقف بعد مرور 31 يوما على العدوان الأميركي الصهيوني على لبنان (دولة ومقاومة).

فاليوم بدأ بإعلان الحكومة الإسرائيلية المصغرة عن بدء توسيع نطاق العمليات العسكرية البرية في الجنوب بهدف «تكثيف الضربات الموجهة إلى عمق البنى التحتية الإرهابية في منطقة عمليات الجيش». هذا الإعلان الوزاري جاء بعد جلسة ماراثونية عقدتها حكومة ايهود أولمرت دامت أكثر من 5 ساعات جرى خلالها الاتصال هاتفيا بوزيرة خارجية الولايات المتحدة كوندوليزا رايس. رايس أعطت الضوء الأخضر بناء على أوامر «البيت الأبيض» في وقت أعلن الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن فك شراكة بلاده مع الولايات المتحدة متهما واشنطن بأنها تعطل صدور قرار دولي يأخذ في الاعتبار الملاحظات والتعديلات التي وضعتها الحكومة اللبنانية على مسودة المشروع.

لبنان... والعاصفة الدولية (12/8/2006)

مضى 32 يوما على العدوان الأميركي الصهيوني على لبنان (دولة ومقاومة) وحتى الآن تبدو الآمال المعلقة على تسوية سياسية تتعثر في مجلس الأمن.

فالولايات المتحدة ترفض الأخذ بالتعديلات التي اقترحتها الحكومة اللبنانية على مشروع القرار الأميركي الفرنسي. باريس وافقت على بعض التعديلات وكذلك موسكو وإلى حد ما أظهر بعض دول الاتحاد الأوروبي تعاطفه الإنساني مع المأساة اللبنانية. واشنطن لاتزال على عنادها وتصر على استثمار الفرصة واستغلالها إلى حدها الأقصى.

مستقبل لبنان الآن يتأرجح بين مدى نجاح دولته «المقوضة والمشلولة» في كسب الجولة الدبلوماسية في مجلس الأمن وبين مدى نجاح حزب الله (المقاومة) في الحد من إطماع «إسرائيل» وكسر شوكتها العسكرية على أرض الجنوب.

أبعد من القرار 1701 (13/8/2006)

بعد مخاض دام 33 يوما صدر فجر أمس عن مجلس الأمن القرار الدولي 1701. ومقدمة القرار تحمّل حزب الله مسئولية البدء في الحرب وبالتالي تعطي «إسرائيل» ذريعة قانونية تتركز على حقها في الدفاع عن النفس. وهذه الذريعة تغطي عدوانها التدميري على لبنان.

لبنان الآن في موقع الاضعف دوليا بحسب تلك النتائج التي نصت عليها فقرات القرار 1701. و«إسرائيل» في موقع الأقوى لأنها نجحت في تأمين غطاء دولي لعدوانها وباتت لديها ذريعة لاستكمال حربها في حال رفضت الدولة اللبنانية القرار.

هذا لا يعني أن «إسرائيل» ليست في ورطة. ولكن الورطة اللبنانية أعقد وأصعب.

المسألة فعلا معقدة في الجانب اللبناني بينما هي ليست كذلك في الجانب الإسرائيلي. فالدولة العبرية في ورطة وأزمة وعليها الإجابة عن أسئلة تمس جوهر كيانها السياسي الذي اهتز استراتيجيا في مناسبة عدوانها على لبنان.

مشكلة «إسرائيل» استراتيجية وهي لن تظهر الآن على السطح السياسي لأن خسائرها غير منظورة وتحتاج إلى فترة زمنية للاهتزاز. بينما مشكلة لبنان مرحلية وخسائره منظورة وظاهرة للعيان (تحطيم، تدمير، تفكيك... إلى آخره)، ولكنه لايزال في موقع يسمح له بإعادة تشكيل هيئته بما يتناسب مع نتائج سياسة الأرض المحروقة والمهشمة إلى أجزاء متناثرة.

لبنان لن يعود كما كان.

نهاية شوط... أم نهاية مباراة؟(14/8/2006)

الإعلان عن وقف النار يأتي بعد مرور 34 يوما على العدوان الأميركي الصهيوني وتدمير البنى التحتية والسكانية في البلد الصغير. كذلك يأتي الإعلان في سياق موافقة الحكومتين اللبنانية و»الإسرائيلية» بتحفظ على القرار الدولي 1701.

وقف إطلاق النار لا يعني بالضرورة أن الحرب انتهت. فالحرب قد تستمر في مناطق تموضع القوات الصيهونية في الجنوب اللبناني. فحكومة إيهود أولمرت اشترطت لانسحابها مجموعة نقاط، كذلك حددت سلسلة أهداف قبل انسحابها. وهي حتى الآن فشلت في تحقيق الأهداف ميدانيا، كذلك لم تنجح في تأمين منطقة فراغ (عازلة) تضمن أمنها الحدودي. وهذا يعني من وجهة الجانب الإسرائيلي أن تل أبيب غير قادرة على وقف العمليات العسكرية قبل أسبوع أو أكثر.

إذا نحن أمام واقع جديد رسمته الحرب وأدى إلى نشوء نوع من «التوازن السلبي». فالعدو لا يستطيع التقدم شمالا إلى الليطاني وقوات حزب الله هزمت «إسرائيل» ميدانيا أو على الأقل أوقعت بها خسائر لا تستطيع تحملها إلى فترة طويلة. وهذا «التوازن السلبي» سيعطل إمكانات تحرك مجلس الأمن نحو إصدار قرار آلي لتنفيذ فقرات القرار 1701. حتى لو توافقت دول المجلس على إصدار قرار جديد فإن إمكانات تطبيقه مستحيلة في فضاء عام تختلط فيه المفاهيم وتتوازن القوى ميدانيا.

فك الاشتباك السياسي(15/8/2006)

مضى على اتفاق وقف إطلاق النار بين لبنان «وإسرائيل» نحو 24 ساعة.

ويتوقع لهذا الاتفاق أن يستمر وسط قلق من احتمال عودة المواجهة الميدانية بين القوات الغازية وقوات حزب الله.

احتمال عودة المواجهة ليست مستبعدة إذا لم تسارع الأطراف المعنية دوليا وعربيا وإقليميا إلى فك الاشتباك السياسي. فالحرب الآن علقت وهي تنتظر تلك الحلول التي كانت سببا للانفجار.

لبنان الآن في ورطة وهناك الكثير من العثرات والعقبات التي تواجهه دولة ومقاومة. اما «إسرائيل» فإنها تلقت ضربة استراتيجية من العيار الثقيل ستأخذ مداها الزمني لتظهر آثارها السلبية.

الزلزال زعزع لبنان وهناك هزات ارتدادية متوقعة. أما الزلزال الذي ضرب «إسرائيل» فإنه أعنف لا من حيث آثاره المباشرة بل من زاوية عمق ارتداداته التي ستأخذ وقتها للظهور، وحين تظهر ستنكشف هذه الدولة أمام مستقبلها في المنطقة.

أولمرت بين إهمال 1982 وتقصير 1973 (16/8/2006)

مشهد جلسة المحاسبة في البرلمان (الكنيست) الإسرائيلي في مناسبة وقف العدوان على لبنان أعطى إشارات بعيدة عن المأزق الذي دخلت فيه الدولة العبرية وعلاقاتها المقفلة مع دول المنطقة ومحيطها.

فالمشهد فعلا تاريخي وعميق في دلالاته. فالحكومة كانت حزينة وفي حال يرثى لها والكل ينظر بحياء ولا يعرف ما يقول. رئيس الحكومة يقف على المنصة يدافع عن سياسته مؤكدا أن «إسرائيل» انتصرت ولبنان انهزم.

حال أولمرت في ذاك المشهد البرلماني تعكس صورة مشوشة عن واقع إسرائيلي اهتز كيانه بسبب حرب طويلة حصلت مع قوة صغيرة متدربة على المواجهات الميدانية.

مشهد الكنيست الإسرائيلي يكشف عن قلق وجودي يطول قادة الكيان الصهيوني للمرة الأولى. فالكل كان في حيرة من أمره ولا يعرف السبب ولا يملك الجواب. كيف حصل هذا ولماذا؟ الأجوبة كثيرة ولابد من انتظار محاكمة جديدة تكشف الملابسات على غرار التي جرت في العامين 1973 و1982.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1769 - الثلثاء 10 يوليو 2007م الموافق 24 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً