يشير المؤرخ الاقتصادي «لونج مج» معقبا على تداعيات اكتشاف النفط في البحرين بقوله: «ليس هناك مجتمع أو حكومة انتشلت بصدفة، في وقت مناسب من كارثة اقتصادية كما حصل للبحرين سنة 1932م». بفعل ثروات النفط جاء الأميركيون والبريطانيون كخبراء نفط، بينما قدم الهنود كإداريين وفنيين للعمل في الشركة، إذ اشترطت الحكومة البريطانية في عقود النفط مع الشركة الأميركية على استقدام الهنود للعمل في بابكو.
ونتيجة لذلك فقد أوجد النفط طبقة جديدة في المجتمع البحريني تتمثل في طبقة العمال الهنود في الشركة، اذ تمتعت هذه الطبقة بمزايا خاصة من الخدمات السكنية والصحية بالإضافة إلى الرواتب المرتفعة التي يحصلون عليها، فقد ورد في تقرير بعثته شركة بابكو إلى المعتمد السياسي في البحرين العام 1939م عن مجموع رواتب الهنود العاملين في الشركة والتي بلغت 664،995 روبية. ومن الملاحظ أن طبقة العمال الهنود لم تتقلص، ولم تحاول الشركة تدريب البحرينيين وإحلالهم محل الهنود بل بدأت أعدادهم في تزايد مستمر، وهذا يتضح في التقارير الإدارية للشركة عن عدد موظفيها من العام 1936 إلى 1940م، وعلى رغم تقليص الشركة لعدد كبير من موظفيها لكن هذا التقليص لم يطل العمال الهنود بصورة كبيرة كما طال العمال البحرينيين وغيرهم، هذا الوضع أثار حنق البحرينيين وخصوصا عمال الشركة بسبب المميزات التي يحصل عليها الهنود من الشركة في حين أنهم يحرمون منها. وقد ظهر هذا التذمر في أكثر من صورة، منها اضطراب عمال بابكو العام 1938م.
مع مطلع السبعينات تزايدت الحاجة إلى العمالة الرخيصة في المنازل والشركات والمقاولات، وكانت الهند هي مركز التصدير لهذه العمالة، فقفزت أعدادهم بصورة كبيرة جدا خلال الثلاثين عاما السابقة، إذ قدر حجم الجالية الهندية في البحرين بنحو 260 ألفا بحسب إحصاء 2006م،40 في المئة منها يعملون في مهن تتطلب مؤهلات علمية مثل المجال الطبي والمصارف والشركات التجارية، أما المتبقون فهم يمثلون الغالبية العظمى من أفراد الجالية من عمال المقاولات أو خدم المنازل. وهم الأكثر عرضة للمشكلات، فعوضا عن أنهم دفعوا أموالا طائلة يقدرها البعض بنحو ألف دينار لمكاتب توظيف هندية وبحرينية، فإن غالبيتهم يتفاجأون بأعمال مغايرة لما وعدوا بها، فهم أمام خيارين أما العودة بخسارة فادحة، أو البقاء قسرا، كما أنهم يعيشون في ظروف خانقة وفي منازل متهالكة، إذ يضم المنزل الواحد أكثر من خمسين عاملا في غرف ضيقة فاقدة لعناصر الصحة والسلامة، وخير دليل حادث حريق القضيبية الذي راح ضحيته 16 عاملا هنديا، كما أن نظام الكفيل المعمول به في معظم دول الخليج في عدم تحديد حد أدنى للأجر يسمح باستغلال العمال الوافدين، إذ لا يتجاوز راتبهم المئة دينار، هذا الأمر دفع بوتيرة المنتحرين الهنود إلى الارتفاع إذ سجلت السفارة الهندية في البحرين 96 من حالات الوفيات على أنها حوادث انتحار.
وعلى رغم من أن البحرين هي الدولة الخليجية الوحيدة التي طبقت اتفاق التجارة الحرة مع الولايات المتحدة بالكامل ويلزم الاتفاق الدول الموقعة بحماية حقوق العمال، لكن لاتزال الجمعيات الحقوقية تسجل حالات متعددة من انتهاك حقوق العمالة الهندية في البحرين، الأمر الذي دفع بالبرلمان الهندي للضغط على حكومته لحماية مواطنيه في الخليج، ومع هذين الظرفين أصبحت البحرين مدعاة للاهتمام بالعمالة الوافدة الأمر الذي يخاف منه البحريني أن يتساوى مع خادمه، وخصوصا أن هذه العمالة بدأت تسيطر على السوق البحرينية، إذ يشار إلى أن أكثر من نصف السجلات التجارية في البحرين هي ملك للأجانب ونصيب الهنود منها نصيب الأسد، إضافة إلى العمالة السائبة التي بدأت تنافس البحريني في مصدر رزقه، ما يمهد لأن تكون البحرين سنغافورة ثانية، ومعها تصدق المقولة السارية كما تهود القدس يهند الخليج.
البحرين كانت ولاتزال عامل جذب قوي للعمالة الوافدة خصوصا الرخيصة منها، وذلك للعمل والاستقرار في البحرين. وقد بدأت الهجرات الأجنبية بالتوافد إلى البحرين منذ بداية مطلع القرن العشرين إلى يومنا الحالي بتشجيع أجنبي، وتأييد حكومي، مع تدافع وإصرار من أصحاب رؤوس الأموال على استمرار استقدام هذه العمالة بشكل واضح يثير معه الحمية الوطنية، والمطالبة في سرعة تبني برنامج يؤدي إلى تفعيل العمالة الوطنية، والحث على العمل الإيجابي من خلال توفير الحوافز المادية من جانب، ومن جانب آخر خلق ثقافة العمل القائمة على التخصص والإخلاص فيه.
إقرأ أيضا لـ "رملة عبد الحميد"العدد 1769 - الثلثاء 10 يوليو 2007م الموافق 24 جمادى الآخرة 1428هـ