العدد 2263 - السبت 15 نوفمبر 2008م الموافق 16 ذي القعدة 1429هـ

جسر الأئمة إلى مكة المكرمة

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

خبران مفرحان من العراق المحتل المثقل بالأخبار المحزنة: إعادة افتتاح جسر الأئمة، وبدء الرحلات الجوية من مطار النجف.

الخبر الأول عن الاحتفال بإعادة «جسر الأئمة»، الذي شهد إحدى الحوادث المروّعة، حيث قضى ألف إنسانٍ عراقي مسلم غرقا في النهر جراء تهديدات إرهابية للجموع الآمنة، أثناء مسيرها لإحياء مناسبةٍ دينية، وسبقها حالات تسميم غذائي متعمّدة قضى بسببها العشرات.

الجسر يصل بين منطقتي الأعظمية التي تضمّ مقام أبوحنيفة النعمان، أحد أكبر أئمة المذاهب الإسلامية؛ وبين الكاظمية، التي تضم مقام الإمام موسى الكاظم، سابع أئمة مذهب أهل البيت. عند الحديث مع العراقيين عن تقسيمات عاصمتهم، ستصل إلى تصور جغرافي عام، وهو أن الكاظمية عبارةٌ عن واحة شيعية آمنة وسط محيط سني، وبالمقابل الأعظمية عبارة عن واحة سنية آمنة وسط محيط شيعي.

تاريخيا... اعتاد العراقيون من مختلف الأطياف المذهبية، على الاجتماع لإحياء ذكرى المولد النبوي الشريف عند مقام الإمام أبي حنيفة. هذا الواقع الديموغرافي الممتد تاريخيا، حاول الإرهابيون ضربه للفصل نهائيا بين جانبي بغداد، بتقطيع الجسور القائمة بين الكرخ والرصافة. وبالتالي فإن إعادة افتتاح جسر الأئمة الثلثاء الماضي، يعني فيما يعني إعادة الوصل بين ضفتي دجلة، وسقوط الرهان على اللعب بالنار الطائفية القذرة التي تشتّت الشعوب وتضعف كيان الأمة لصالح أعدائها التاريخيين.

وكالات الأنباء بثت صورا ليوم الافتتاح، ظهرت فيها الأعمدة مزدانة بالأعلام العراقية والألوان الزاهية، وبين زغردات النساء تعانق رئيسا الوقفين السني والشيعي، وتم نحر عدد من الخرفان ابتهاجا بالمناسبة، ثم توجه القوم لأداء صلاة جماعية في جامع أبي حنيفة. ودعا رئيس الوقف السني أحمد السامرائي إلى تفويت الفرصة على من يريد أن يزرع التفرقة بين العراقيين، الذين أدركوا اللعبة وعرفوا المخطط». بينما قال نظيره صالح الحيدري أن جسر الأئمة يمثل روح العراقيين، معتبرا المناسبة يوما للفرح والتآخي.

الخبر الجميل الآخر، هو بداية تسيير الرحلات الجوية من مطار النجف الأشرف، ومن حسن الحظ أن أول رحلةٍ جويةٍ تنطلق من هذه المدينة المقدّسة كانت باتجاه مدينةٍ مقدسةٍ أخرى، وهي مكة المكرمة. ولعلها لحظةٌ تاريخيةٌ تستحق التذكّر طويلا، لما تحمله من قيمةٍ رمزيةٍ عالية، إذ تغادر أول دفعةٍ من الحجاج العراقيين هذا العام من مدينة الإمام علي (ع)، باتجاه مكة التي حزن لفراقها النبي محمد (ص)، وكان يذكرها الصحابة المهاجرون (رض) بكثيرٍ من الشوق واللوعة والحنين، ربما زاده ما عانوه من شظف العيش والإصابة بالحمى، حتى رفع الرسول (ص) نظره إلى السماء ودعا لهم بقوله: «اللهم حبّب إلينا المدينة كما حبّبت إلينا مكة أو أشد».

وعودة من التاريخ إلى الجغرافيا... ما أحوج هذه الأمة إلى إعادة اللحمة بين صفوفها، وتوحيد كلمتها، والعودة إلى الأصول والقواعد التي دعانا إليها محمد (ص) وكدنا ننساها. فـ «المسلم أخو المسلم، لا يظلمه ولا يخذله»، و»كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه»... بعد أن ذهبنا بعيدا في الخصومة واللجاج.

جسر الأئمة أعيد افتتاحه، ليصل بين ضفتي «دجلة الخير» كما أسماها الجواهري، ومطار النجف دشّن أولى رحلاته ليصل بين قلبي عاصمتين روحانيتين مقدستين، وما أشد حاجتنا إلى هذا الوصال في زمان القطيعة والحقد الأعمى والانفصال

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 2263 - السبت 15 نوفمبر 2008م الموافق 16 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً