من دون أية مقدمات، دعا المدير العام السابق للبنك الدولي جيمس ولفنسون، الدول العربية التي تمتلك صناديق سيادية لـ «تبديل أساليب عملها، عبر الابتعاد عن تخصيص السيولة المتوافرة لديها في عمليات الاستحواذ على المصارف والأدوات المالية حول العالم، والتركيز على توفير الأموال للدول النامية لمواصلة نموها». ولم يتردد ولفنسون، في حديث لـ (أسواق الشرق الأوسط CNN)، في سياق التحريض على الدول النفطية الذهاب إلى عملقة ما بحوزة تلك الدول، من خلال تقزيم حجم مجموعة الدول السبع الصناعية التي يصفها بأنها «باتت من التاريخ، بسبب انتقال مراكز القوة العالمية»، من جهة والمقارنة بينها وبين ما ادعى بأن «الدول الكبرى كانت تقوم في السابق بخطوات مماثلة؛ إذ سبق للولايات المتحدة، وكذلك بريطانيا في مرحلة ما، أن وفرت السيولة للدول النامية، معتبرا أن الوقت قد حان الآن لتقوم الدول العربية بذلك».
وكان بوسعنا اعتبار هذه التصريحات، على رغم أنها صادرة عن خبير دولي، زلة لسان أو اجتهادات فردية لولا أنها جاءت مترافقة مع حدثين: الأول، أنها جاءت على أبواب لقاء مجموعة العشرين الذي بدأ أعماله يوم أمس (السبت)، والتي تضم - المجموعة - ألمانيا وفرنسا واليابان والولايات المتحدة وكندا وإيطاليا وبريطانيا وروسيا، بالإضافة إلى إسبانيا التي ستمثل الاتحاد الأوروبي، إلى جانب 11 دولة نامية هي الأرجنتين وأستراليا والسعودية وجنوب إفريقيا والبرازيل والصين وكوريا الجنوبية والهند وإندونيسيا والمكسيك وتركيا. وكما نرى فهي دعوة تضع السعودية، وهي دولة عربية نفطية في موقف حرج ومربك، في حال وصول اللقاء إلى قرار يلبي تلك الدعوة.
الثاني هو أن يترافق ذلك مع تصريح أعربت فيه وكالة الطاقة الدولية عن توقعاتها بأن سعر برميل النفط قد يصل إلى مستوى 200 دولار بحلول العام 2030، مرجحة أن تكون معظم الإمكانيات النفطية في ذلك الوقت قد انحصرت بين يدي دول منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، مع بدء نضوب معظم الحقول الموجودة لدى دول خارجها. يأتي هذا التوقع في وقت تتأرجح فيه أسعار النفط بين 50 و65 دولارا.
فتحريض ولفنسون يكتسب أهمية متزايدة وقيمة فعلية تبررأنه طالما استمرت أسعار النفط في الإرتفاع، واستمرت السيولة النقدية بين أيدي الدول النفطية العربية.
ولو نظرنا إلى ما ستأخذنا إليه مثل هذه الدعوات والتصريحات، فسنكتشف أنها تصب في إناء واحد يسعى لتحقيق الأهداف الآتية:
إبعاد تهمة مسئولية الفوضى الإقتصادية التي تعم الأسواق العالمية عن الولايات المتحدة، والتي تجمع كل التحليلات الإقتصادية المستقلة على اعتبارها المسئول الأول الذي أوصل الإقتصاد العالمي إلى ما وصل إليه، سواء بفضل سياستها المالية، أو من جراء حصتها التي تشكل 25 في المئة من ذلك الإقتصاد. نقل وزر تصحيح الأوضاع الإقتصادية العالمية من على كاهل الدول ذات الإقتصادات الكبيرة من أمثال ألمانيا والولايات المتحدة واليابان، إلى دول ذات إقتصادات صغيرة نسبيا مثل السعودية أو قطر أو أبوظبي، التي تمتلك الصناديق السيادية التي يتحدث عنها ولفنسون. لكن حتى وإن قبلنا بسلامة نية ولفنسون والوكالة، فبوسعنا أن نلفت نظرهما إلى مسألتين أساسيتين:
بالنسبة إلى ولفنسون، وطالما أنه يحاول أن يدول الأزمة المالية كي يحمل دول العالم مسئولية المشاركة في الوصول إلى حل، فلماذا لا تمتد عدالته ويطالب دول العالم أن تشارك في وضع حلول عادلة لمشكلات اقتصادية وسياسية تنهك العالم وتستنزف موارده ولا يستفيد منها سوى باعة السلاح والباحثين عن فرص توليد أزمات جديدة، تساعدهم على ترويج ما تقذف به مصانعهم الحربية من سلع عسكرية. وأمامنا أمثلة صارخة في العراق وفلسطين.
أما بالنسبة إلى وكالة الطاقة الدولية، فلماذا كل هذا التلاعب بالأسعار؟ فحتى لو افترضنا جدلا بأن أسعار النفط لامست سقف 200 دولار في العام 2030، فكم ستكون القيمة الحقيقية لهذا الرقم، وما هو سعره الشرائي، آخذين في الإعتبار معدلات التضخم العالمية والمحلية من جهة، والإرتفاع في أسعار السلع الضرورية، وأهمها السلع الغذائية من جهة ثانية. والأهم من هذا وذاك، أن السيولة النقدية في ذلك التاريخ ستفقد حيزها الواسع الذي تحتله اليوم في الحكم على قوة وغنى أي اقتصاد
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 2263 - السبت 15 نوفمبر 2008م الموافق 16 ذي القعدة 1429هـ