قدم وزير العمل مجيد العلوي مداخلة في افتتاح المنتدى العربي للتنمية والتشغيل، الدوحة 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، فيما يلي نصها:
لا يختلف اثنان على أن عالمنا اليوم يشهد تغيرات متسارعة تحمل معها تأثيرات إيجابية وسلبية على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في كل دول العالم. ولعل الأزمة المالية العالمية الراهنة خير دليل على مدى ترابط دول العالم وتأثرها ببعضها بعضا أكثر من أي وقت مضى في تاريخ البشرية.
في ظل هذه المتغيرات المتلاحقة تشكل قضايا التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتوليد المزيد من فرص العمل وزيادة معدلات التشغيل أحد أهم القضايا والتحديات التي يجب التصدي لها، وخاصة إنها قضايا ملحة علاوة على كونها مترابطة ومتداخلة وتتبادل التأثير والتأثر فيما بينها.
وقد شهدت مملكة البحرين، بقيادة جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، نهضة حضارية في ظل المشروع الإصلاحي الذي أطلقه جلالته وشمل كل الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية وأثمر عن تحفيز الأجهزة والمؤسسات الحكومية والأهلية، علاوة على مؤسسات القطاع الخاص، نحو الارتقاء بالمواطن البحريني وزيادة قدراته التنافسية في مختلف مواقع العمل والإنتاج استعدادا لمواجهة المتغيرات المحلية والعالمية المتلاحقة.
وفي إطار المشروع الإصلاحي فقد أطلق ولي العهد رئيس مجلس التنمية الاقتصادية سمو الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، العام 2004، مشروع الإصلاح الاقتصادي الذي يقوم على 3 ركائز هي إصلاح سوق العمل وإصلاح نظام التعليم والتدريب وإصلاح النظام الاقتصادي. ويهدف المشروع إلى جعل القطاع الخاص محرك النمو الاقتصادي من جهة، وجعل المواطنين الخيار المفضل لشغل وظائف القطاع الخاص من جهة أخرى، فضلا عن تحرير سوق العمل وضمان حرية انتقال العمالة وإلغاء «نظام الكفالة» الذي كرسته الممارسات الخاطئة خلال المرحلة السابقة.
والتزاما منها بدورها الحيوي في تنظيم سوق العمل فقد بادرت وزارة العمل إلى وضع السياسات والبرامج التنفيذية المتعلقة بحماية وتنمية الموارد البشرية، وتأمين استقرار وتنظيم سوق العمل. ومن أبرز هذه البرامج البرنامج الوطني للتوظيف، الذي تفضل جلالة الملك بتخصيص 30 مليون دينار بحريني (حوالي 80 مليون دولار أميركي) لتنفيذه بهدف تدريب وتأهيل الأيدي العاملة الوطنية وإدماجها في سوق العمل.
وفي سبيل تنفيذ هذا البرنامج فقد اعتمدت وزارة العمل منهجا علميا وعمليا لاجتثاث ظاهرة البطالة ورفع معدلات التوظيف وتحسين الأجور والحوافز الوظيفية لضمان استقرار ورفع معدلات العمالة الوطنية، معتمدة خلاله على تحليل البيانات للحصول على صورة واقعية دقيقة عن طبيعة العمالة والمهن ومن ثم تحديد التدريب المهني المطلوب.
وتمثل الهدف الرئيسي للبرنامج في الموائمة بين مؤهلات الباحثين عن عمل وبين متطلبات الشواغر والمهن في مختلف القطاعات من خلال تقديم البرامج التدريبية والتأهيلية المتخصصة والمضمونة الجودة والتي تناسب كل الباحثين عن عمل وتنسجم مع متطلبات سوق العمل. وتم ذلك عن طريق:
1- حصر وتصنيف الباحثين عن عمل.
2- وضع البرامج التدريبية وإنشاء بنك الشواغر.
3- رفع أجور العمالة الوطنية وتحسين الاستقرار الوظيفي في القطاع الخاص.
4- رفع كفاءة آليات التوظيف والإرشاد والتوجيه المهني.
5- متابعة ما بعد التوظيف لضمان استمرار الاستقرار والرضا الوظيفي.
وفي ختام البرنامج الوطني للتوظيف، الذي امتد على مدى الفترة من 1 يناير/ كانون الثاني 2006 إلى نهاية يونيو/ حزيران 2007، تمكنت الوزارة من تحقيق إنجازات عديدة من أهمها:
1- توظيف حوالي 19 ألف بحريني في القطاعين العام والخاص.
2- خفض معدل البطالة من 15 في المئة إلى ما دون 4 في المئة.
3- تدريب أعداد كبيرة من الباحثين عن عمل استفادوا من أكثر من 5000 فرصة تدريبية مجانية مع دفع مكافآت مالية خلال فترة التدريب.
4- تحسين أجور أكثر من 17 ألف عامل.
واستمرارا على نفس النهج، وسعيا إلى استكمال منظومة الحماية الاجتماعية، أصدر جلالة الملك، في نوفمبر 2006 قانون التأمين ضد التعطل. ويعمل نظام التأمين ضد التعطل على توفير الحماية للباحثين عن عمل لأول مرة من خلال إعانات مالية يساندها برنامج متطور لتوفير فرص التوظيف والتدريب المناسبة. ويصل مقدار الإعانة إلى 150 دينارا شهريا للمستوى الجامعي و120 دينارا للمستويات التي تقل عن ذلك. كما يوفر التأمين ضد التعطل الحماية للعاملين الذين يفقدون أعمالهم ويتعرضون للفصل حيث يحصلون من خلال القانون على تعويضات تصل إلى 60 في المئة من أجورهم الشهرية بحد أدنى لا يقل عن 150 دينارا شهريا ولا يزيد عن 500 دينارا شهريا وفق معايير واشتراطات مدروسة ومحددة بشكل دقيق لتمنع الاستغلال السلبي لمميزات القانون والتأكد من أن تطبيقه سيكون أداة داعمة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في البلاد.
ويكتسب نظام التأمين ضد التعطل أهمية كبرى في مملكة البحرين. فبالإضافة إلى الضمان الاجتماعي والمالي الذي يوفره للمواطنين من خلال مساعدة العاطلين والمتعطلين ماديا خلال فترة البحث عن عمل، فإنه سيساعد حكومة المملكة على وجه العموم ووزارة العمل على وجه الخصوص في السيطرة على مشكلة البطالة في البلاد على المدى الطويل. فهذا النظام يساهم في توفير قاعدة بيانات دقيقة ومستمرة عن العاطلين، والتحديد الدقيق لمستوياتهم ومؤهلاتهم وخصائص البطالة بصورة مستمرة، بالإضافة إلى تصنيف العاطلين وفرز غير الجادين منهم الذين لا تتوفر فيهم الشروط الدولية في تعريف العاطلين وهي الرغبة في العمل، القدرة على العمل، والبحث عن عمل.
ويتم تمويل صندوق التأمين ضد التعطل من خلال الاشتراكات الشهرية التي يساهم فيها العاملون المؤمّن عليهم وأصحاب الأعمال والحكومة بنسبة 1 في المئة عن كل منهم، بالإضافة إلى ما يخصص في ميزانية الدولة من دعم واعتمادات مالية وعوائد استثمار أموال التأمين ضد التعطل.
وتتمثل أهم النتائج المتحققة جراء تطبيق هذا النظام في:
1- المحافظة على معدلات طبيعية وآمنة للبطالة:
في إطار البرامج المصاحبة لنظام التأمين ضد التعطل قد تمكنت الوزارة من المحافظة على معدلات البطالة في الحدود الطبيعية والآمنة المقبولة دوليا حيث لم تتجاوز خلال الأشهر الماضية نسبة 3.8 في المئة.
2- على مستوى التأمين ضد التعطل.
الإسهام في توفير دخل مالي يساعد العاطلين وأفراد أسرهم على تحمّل فترة التعطل الحرجة.
3- على مستوى إحصاءات البطالة:
* إصدار نشرة شهرية تبين إحصاءات العاطلين الذين تنطبق عليهم شروط البطالة حسب المعايير الدولية، علاوة على الذين تم توظيفهم وكذلك الذين سقط حقهم في الاستحقاق لأسباب مختلفة.
* وتتصف هذه النشرة والإحصاءات التي تحتويها بالشفافية وتنشر في كافة الصحف اليومية ووسائل الإعلام المحلية، مما رفع المملكة إلى مصاف الدول المتقدمة في هذا المجال.
4- على مستوى تنشيط وتحسين آليات التوظيف والتدريب.
يحصل جميع المستحقين لإعانة التعطل على أولوية التوظيف من خلال الاستفادة من خدمات الوزارة المتمثلة في:
* البرنامج التمهيدي (أخلاقيات العمل/ كيف تبحث عن عمل/ فن إجراء مقابلات العمل/ كيف تعد السيرة الذاتية/ تعرف على قانون العمل).
* عرض فرص العمل من خلال الوظائف المتوافرة في بنك الشواغر.
* برامج التدريب المتخصصة والهادفة إلى تأهيل الباحثين عن عمل وتسهيل إدماجهم في سوق العمل.
* تنظيم معارض التوظيف بشكل دوري في جميع محافظات المملكة، والتي تتيح للعاطلين اختيار الشواغر المناسبة لهم من خلال اللقاء المباشر مع أصحاب العمل.
* توفير كافة خدمات التوظيف والتأمين ضد التعطل والتدريب من خلال ستة مراكز توظيف موزّعة على محافظات المملكة المختلفة.
* تعزيز عملية جلب الشواغر وتقوية دور بنك الشواغر (نسب البحرنة + نظام التعهدات + برامج التسويق).
* متابعة ما بعد التوظيف لضمان استقرار العمالة الوطنية.
ومن المهم أيضا التطرق إلى قضية العمالة الوافدة التي تمثل، في دول مجلس التعاون الخليجي، قضية شديدة الحساسية نظرا لآثارها السلبية الشديدة على الأمن الوطني والهوية القومية والثقافية، وخاصة أنها في بعض دول المجلس قد تتجاوز نسبة 80 في المئة من إجمالي القوى العاملة. وهذا يدفعنا إلى التدخل لإعادة التوازن إلى التركيبة السكانية للمجتمعات الخليجية، والحد من آثارها والحيلولة دون إغراق أسواق العمل بها. وفي هذا الصدد فقد كانت البحرين سباقة إلى المطالبة بوضع سقف زمني أقصى لمدة بقاء العامل الأجنبي في أي من دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك تقليصا للآثار السلبية لهذه العمالة.
وفي إطار مشروع إصلاح سوق العمل تم إنشاء هيئتين هما هيئة تنظيم سوق العمل وصندوق العمل، واللتان تداران عن طريق الشراكة الثلاثية لأطراف الإنتاج (حكومة، أصحاب عمل، عمال)، وتقومان بالإشراف المباشر على رسم وتنفيذ السياسات والبرامج المتعلقة بإصلاح سوق العمل كلا في مجال اختصاصه.
ويأتي إنشاء هيئة تنظيم سوق العمل كأحد المبادرات الإصلاحية لمشروع إصلاح سوق العمل التي تطمح القيادة السياسية في مملكة البحرين من خلالها إلى تنظيم سوق العمل بشكل متوازن يراعي في مصالح أصحاب الأعمال والعمال من جهة وزيادة فرص العمل المناسبة للبحرينيين من جهة أخرى، كما يأتي للحد من ظاهرة العمالة السائبة والممارسات الأخرى غير القانونية في سوق العمل.
هذا في حين يهدف صندوق العمل إلى دعم وزيادة معدلات توظيف العمالة الوطنية من خلال توفير برامج التدريب والتأهيل المهني التي تهيئ الباحثين عن عمل لتلبية متطلبات الوظائف واحتياجات مؤسسات القطاع الخاص من العمالة المؤهلة.
وتمارس وزارة العمل مهماتها واختصاصاتها في تناغم وانسجام مع الهيئتين المذكورتين في عملية تهدف إلى تكامل كل إجراءات سوق العمل
إقرأ أيضا لـ "مجيد العلوي"العدد 2263 - السبت 15 نوفمبر 2008م الموافق 16 ذي القعدة 1429هـ