العدد 1768 - الإثنين 09 يوليو 2007م الموافق 23 جمادى الآخرة 1428هـ

من أوراق حرب تموز (4)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل نحو سنة بدأت حكومة تل أبيب سياسة التدمير المنهجي لقطاع غزة بذريعة خطف جندي إسرائيلي برتبة كابورال. وفي 12 يوليو/ تموز نفذ حزب الله عملية دفاعية نوعية داخل الحدود الدولية فتذرعت حكومة إيهود أولمرت بالهجوم لتشن حملة تقطيع أوصال للبنى التحتية وقرى الجنوب والجسور والمؤسسات والمدارس والمطارات لمدة 33 يوما.

تحت وقع الضربات الجوية والبرية والبحرية التي باشرتها تل أبيب مستفيدة من الدعم الدولي دخل لبنان (دولة ومقاومة) مرحلة سياسية حساسة شكلت نقطة انعطاف في تاريخه. حتى الآن لا يزال هذا البلد الصغير يعاني من ارتدادات ذاك الزلزال على مستويات مختلفة.

آنذاك كتب الكثير عن العدوان وجرت قراءات مختلفة لمجرى الحرب وغاياتها القريبة والبعيدة. وتابعت «الوسط» الوقائع الميدانية يوميا وعلقت عليها في مقالات حاولت قدر الإمكان التقاط تلك الإشارات التي أرادت واشنطن توجيهها للعاصمة بيروت، ومختلف دول المنطقة العربية والإسلامية من تحت الأنقاض.

تعليقات كاتب هذه السطور صدرت في جو دولي وعربي ولبناني مضطرب ساده الغموض وعدم وضوح الرؤية للأسباب والنتائج المترتبة عن هذا العدوان.

الكتابة اليومية مشكلة وخصوصا حين تسجل الانطباعات تحت وقع ضربات الحرب وسياسة التحطيم المنهجي والمبرمج. وحين تكون الكتابة مهمة يومية يصبح على الكاتب واجب توضيح الصورة من كل زواياها ومن دون انفعال بالحدث حتى لا تنزلق الكلمات إلى مكان تنعدم فيه العقلانية والواقعية.

مضت الآن سنة على تلك المقالات. وفي مناسبة الذكرى الأولى للعدوان سيتم نشر 5 في المئة فقط من تلك الأوراق لتقديم فكرة موجزة عن انطباعات تلك اللحظات المؤلمة والقاسية. ونسبة 5 في المئة تشكل عينة بسيطة ولكنها كافية لتسجيل وقائع بدأت في قطاع غزة وانتهت في تلك الجلسة التي عقدها الكنيست الإسرائيلي لمحاسبة حكومة أولمرت على ما أسمته إخفاقات الحرب.

قانا... والمخاض (31/7/2006)

هل تكون مجزرة قانا الثانية (الأولى وقعت في عدوان 1996) بداية مخاض «الشرق الأوسط الجديد» أم نهاية المخاض؟ ردة الفعل الأولى من الدولة اللبنانية (رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة) كانت رفض بيروت استقبال وزيرة الخارجية الأميركية كوندليزا رايس.

إنه «مخاض» قالت رايس. والقابلة تستطيع التحكم بالولادة، ولكنها لا تملك المقومات التي تحدد شكل المولود. هناك ولادة لاشك بعد هذا المخاض، أما شكل الوليد فليس بالضرورة أن يكون لمصلحة المشروع الأميركي الصهيوني.

بين قانا الأولى... والثانية (1/8/2006)

مضى 21 يوما على الحرب الأميركية الصهيونية على لبنان، وحتى الآن لم ترتسم معالم الحل السياسي على الأرض.

وهذا الأمر يعني في لغة الحرب أن المواجهة العسكرية لاتزال مفتوحة على احتمالات مختلفة.

أميركا تعتبر أنها سددت ضربة عسكرية للدور الفرنسي في لبنان ونجحت في تحطيم تلك البنى التحتية التي تأسست عليها الدولة التي نهضت برعاية سعودية مصرية. كذلك تعتبر أنها وجهت ضربة عسكرية إلى الثنائي السوري الإيراني من خلال تفكيك البنى السكانية للمقاومة.

حربان برية وداخلية (2/8/2006)

بدأت أمس الحرب البرية بين القوات الإسرائيلية وقوات حزب الله.

ويتوقع أن تكون الحرب عنيفة نظرا إلى طبيعة الأرض التي تكثر فيها الوديان والمرتفعات والهضاب. وحزب الله في الميدان أقوى وأكفأ في المواجهة مع القوات الغازية. هذه الحرب البرية ستشهد الكثير من معارك الكر والفر بين جيش نظامي يستخدم الآليات الثقيلة ويعتمد على الغطاء الجوي والقصف المدفعي وبين قوات متحركة تتبع تكتيكات مرنة ومواجهات متنقلة وغير ثابتة.

الحرب البرية بدأت أمس وتحتاج إلى وقت لمعرفة مسارها. وخطورة مثل هذه المعارك أنها تعتمد على قوة الداخل والغطاء الإقليمي والدولي حتى تستقر على نقطة توازن تسمح بالمفاوضات من موقع غير ضعيف. وهذا كما يبدو تعتمد عليه حكومة أولمرت في وقت لايزال حزب الله يبذل جهوده لمنع تصدع الجبهة الداخلية... بينما رموز «8» و»14» مصرة على التزاحم للظهور على الشاشات وإعلان خلافات مضى عليها الوقت وتجاوزها الزمن.

أزمة مفتوحة (3/8/2006)

دخلت الحرب البرية على جنوب لبنان يومها الثاني، وحتى الآن لم تحقق القوات الإسرائيلية التي تشن الهجوم نيابة عن الولايات المتحدة أي اختراق ميداني.

وكل المعلومات المتوافرة بهذا الشأن تؤكد أن «إسرائيل» تتكبد خسائر فادحة في الآليات والجنود على مختلف المحاور. وبسبب هذا الوضع الميداني لجأت تل أبيب إلى الثأر مجددا من المدنيين والبنى التحتية فقامت الطائرات بشن غارات في العمق الجغرافي وقوضت الجسور في عكار والهرمل التي تربط البلدات والقرى في مناطق شمال لبنان. كذلك قامت بإنزال مظلي فاشل في بعلبك بقصد التشويش وتشتيت الأنظار.

المسألة طويلة جدا ولبنان هو الضحية أو تلك الساحة المفتوحة والمكشوفة أمام القوى الدولية والإسرائيلية والإقليمية لاختبار قواها وموازينها ومزاجها.

النقاط السبع (4/8/2006)

بعد مرور 24 يوما على العدوان الأميركي الصهيوني على لبنان (دولة ومقاومة) لم تنجح القوات البرية في تحقيق اختراقات جدية على الأرض.

فقوات حزب الله لاتزال تتصدى وتواجه محاولات التقدم في أربعة محاور أساسية في الجنوب اللبناني. ويرجح أن تستمر عمليات الكر والفر الميدانية إلى فترة إضافية بعد أن أحبطت الولايات المتحدة الجهود الدولية الداعية إلى وقف فوري ومباشر للنار.

الإجماع اللبناني على موقف موحد ومشترك يساعد البلد الصغير على إنقاذ ما تبقى من مقومات دولة ومقاومة ويمنع التفكيك والانهيار العام. وهذا الإجماع كان لابدّ منه حتى لا تتعرض الجبهة الداخلية للتصدع في مواجهة ضغوط دولية وعدوان أميركي صهيوني لا يحتمل.

النقاط السبع التي تفاهم فرقاء الحكومة اللبنانية عليها كان بإمكانها أن تشكل درعا سياسيا يعطي فرصة للدولة للتحرك خارجيا والمناورة في مجلس الأمن لإصدار مشروع قرار يوقف إطلاق النار ويضمن للبلد هدنة لا بأس بها لدراسة المستجدات وكيفية التعامل معها في ضوء المتغيرات الميدانية.

ساحة مفتوحة (5/8/2006)

مضى 25 يوما على العدوان الأميركي الصهيوني ولايزال لبنان ساحة مفتوحة لكل الاحتمالات السياسية.

ميدانيا، لم تنجح حكومة إيهود أولمرت في تحقيق اختراقات ذات قيمة تذكر في الجنوب. وقوات حزب الله لاتزال تتصدى كرا وفرا في مناطق «القشرة» الحدودية وتطلق الصواريخ على المستعمرات والمستوطنات.

هناك الكثير من المؤشرات التي تنذر بانفجارات داخلية. وهذه الاحتمالات ليست فرضيات عامة بل يمكن رسم خطوطها من تلك الملامح الدولية/ الإقليمية التي تظهر أحيانا في تعليقات وتصريحات وتحليلات.

الأمر الجديد يتلخص الآن في «القاعدة». فهذا تنظيم مجهول الهوية والأهداف ولا يعرف أوله من آخره. وحتى الآن لا أحد يدري من يموله ويدربه ويسلحه ويسهل أموره ومروره. فهذا النوع من التنظيمات لا يعرف مكانه وعنوانه وهو دائما عرضة للاختراقات من شبكات دولية تستخدمه لغايات غير شريفة وأهداف غير نزيهة كما هو حال العراق الآن. كذلك فإن هذه الشبكات التي لا أحد يدري ماذا تريد يمكن أن توجه لقتل المدنيين وتفجير أمكنة العبادة والأحياء بذريعة مطاردة عملاء «القوات الدولية» وغيرها من شعارات.

الآن لبنان يواجه احتمال قيام «مقاومة» جديدة. ومثل هذا النوع من «التنظيمات السرية» يستطيع تخريب كل الانجازات التي حققتها المقاومة العلنية والمشروعة والشريفة.

تعليق الحرب (6/8/2006)

بيروت تستعد لاستقبال مجلس وزراء الخارجية العرب المتوقع أن يعقد اجتماعه الطارئ غدا في العاصمة اللبنانية تعبيرا عن تضامن الدول العربية مع لبنان. ويرجح في هذا الصدد أن يعلن وزراء الخارجية العرب تأييدهم لسلة الأفكار التي توافقت عليها الحكومة اللبنانية.

هناك إذا سلسلة من المشكلات المتوقع ظهورها في لحظة تدويل الصراع القائم في الجنوب وامتداداته الخلفية في الساحة اللبنانية. فالدولة العبرية استغلت الحرب لتقوض لبنان (دولة ومقاومة) وتدفعه نحو حافة الانهيار العام. وتل أبيب في هذه السياسة تلعب لعبة خطيرة تقوم على معادلة سلبية. فهي من جانبها ضمنت حدودها دوليا بتعليق الحرب، وفي الجانب الآخر دفعت لبنان إلى حال من عدم الاستقرار والفوضى الأمنية.

تدويل العدوان (7/8/2006)

27 يوما مضت على العدوان الأميركي الصهيوني على لبنان، وحتى الآن لاتزال معارك الكر والفر بين المقاومة وارتال الجيش الإسرائيلي تدور على القشرة (الحدود) اللبنانية بما فيها تلك الجيوب والاختراقات التي حصلت في بعض المناطق.

«التوازن السلبي» لايزال يشكل سقفا للصراع وهذا يعني أن تل أبيب لم تحقق أهدافها التي أعلنت عنها. وكذلك نجح حزب الله في منع حكومة إيهود أولمرت في الوصول إلى الغايات التي أفصحت عنها علنا.

المعركة ليست ميدانية فقط وإنما هي سياسية ودبلوماسية ووجودية. وإذا لم تعترف الدول الكبرى بتلك النجاحات التي حققها حزب الله في الميدان القتالي (الحربي) فإنها على الأقل يمكن أن تعترف بدور ما للبنان (الدولة) وما له من موقع ومكانة وعلاقات واتصالات بدءا من الدول العربية التي يجتمع وزراء خارجيتها اليوم في بيروت وانتهاء بكل جالياته ورموزه وعلاقاته الدولية شرقا وغربا.

تشريع العدوان (8/8/2006)

مضى 28 يوما على الحرب الأميركية الإسرائيلية على لبنان (دولة ومقاومة) وحتى الآن تبدو الأمور تسير سياسيا باتجاه معاكس لمعادلة الصراع التي ارتسمت خطوطها الميدانية في أرض الجنوب.

لبنان في هذا الإطار بات في حال انشطار أهلي/ سياسي. والانشطار يضعف «الدولة» في سياق عملية التفاوض. والانشطار أيضا يضعف المقاومة سياسيا (داخليا) في وقت تسجل سلسلة نقاط ناجحة في تلك المواجهات القتالية الدائرة الآن في القشرة (الحدود) الفاصلة بين البلدين على الخط الأزرق.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1768 - الإثنين 09 يوليو 2007م الموافق 23 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً