لا تسمعوا لما تقوله الصحافة المحلية، فالصحافة اليوم كلها ضد ما يجري في خليج توبلي. وإذا أردتم... اتهموها بالتسييس لتغلقوا ملف هذه التجاوزات الشنعاء، وسجّلوا الجريمة ضد مجهول.
لا تسمعوا للبحارة والصيادين المتضرّرين أيضا، فهؤلاء أيضا «مسيّسون» ولهم أجندة خاصة، ويمكنكم أن تتهموهم بعدم الولاء للوطن... أو أن وراءهم بعض الجمعيات السياسية المغرضة!
لا تسمعوا أيضا شكوى سكّان المنطقة التي أصبحت تطل على مستنقع آسن كبير، فربما يكون هؤلاء مسيّسين أيضا! وربما يكون لهم ارتباطٌ بمخابرات دولة أجنبية، بما فيهم الوزراء الأربعة وكبار التجار والمستثمرين!
لكن... على الأقل اسمعوا صرخات الخبراء البيئيين الذين تتقطع قلوبهم وهم يرون الخليج يتعرّض لهذا القتل المبرمج، ويُضيّق عليه الخناق أكثر وأكثر. وإذا لم يعجبكم كلام البيئيين المحليين، ربما لأن لديهم أجندة سرية خاصة، فلتسمعوا آراء الأكاديميين والباحثين واختصاصيي «البيولوجي»، الذين يجرون الدراسات منذ سنوات، ولديهم بحوث كلها أرقام تدين ما يجري من انتهاكات فظيعة للبيئة في الخليج المنكوب.
وإذا لم يعجبكم كلام هؤلاء وهؤلاء، فلتسمعوا قصة الباحث الكويتي مبارك العجمي، الذي كان في زيارةٍ عائليةٍ للبحرين قبل أيام، وتناهى إلى سمعه بعض «الطشاش» في المجالس الشعبية، ثم اطلع على ما نشرته الصحافة المحلية من فضائح بيئية، حملته إلى الطلب من مرافقيه زيارة الخليج التعيس.
العجمي خبيرٌ مستقلٌ منتمٍ لجمعية بيئية كويتية، ليس له أجندة سرية أو انتماء لجمعية سياسية بحرينية. كما انه ينقل تجربة عاشها في الكويت، بعدما تعرّض «جون الكويت» إلى مشكلة تلوث شديدة كالتي يتعرض لها اليوم خليج توبلي.
العجمي رافق أصدقاءنا البيئيين إلى الخليج، وأخذ بنفسه أربع عينات، واستنتج من خلال خبرته أن الخليج معرضٌ لما أسماه «المد الأحمر»، وهو عبارةٌ عن البكتيريا الحمراء التي تتكون من المخلفات الآدمية وتشكل بقعا من النباتات والطحالب فتمنع الأشعة من الوصول للقاع وارتباط ذلك بتقليل الاوكسجين ونفوق الأسماك. وتوقّع حدوث كارثة بيئية خلال شهر أغسطس/آب المقبل، مع ارتفاع درجة الحرارة التي يعرفها الجميع.
الأشقاء الكويتيون مرّوا بتجارب بيئية قاسية، لعل أفظعها ما سبّبه نظام صدام حسين من حرائق لمئات من آبار النفط، وتدميرٍ بربري للبيئة في الكويت، التي تعاقدت مع شركات من مختلف بقاع الأرض وصرفت مبالغ ضخمة، لإصلاح ما خرّبه الديكتاتور. ومع ذلك ظل ما جرى في «جون الكويت» تجربة قاسية على البيئة البحرية والثروات السمكية، جراء تعرضه لمشكلات مماثلة لمشكلة توبلي، من إلقاء المجاري والردم ونفوق الأسماك، إضافة إلى التلوث بالزئبق. وصدر قبل أعوام قرار وزاري بإعادة تأهيله وفق استراتيجية وطنية، وشكلت لذلك لجنة وطنية مع ست فرق متخصصة، بمشاركة فريق ياباني متخصص.
في السادس والعشرين من الشهر الماضي، نقلت وكالة «كونا» خبرا عن انطلاق العمل رسميا في مشروع بحثي مدته سنتان، وفق مذكرة تفاهم بين الكويت واليابان، بتشكيل فريق عمل مشترك، وقدرت كلفته بنحو 3.5 ملايين دينار كويتي.
مشكلة واجهها الأشقاء الكويتيون، لم يكونوا يتمنّون تكرارها للبحرين، من هنا جاءت دعوة الباحث الكويتي إلى اتخاذ خطوات سريعة وحل عاجل للخليج. ونتمنّى أن يلقى نداؤه صدى طيبا، وألاّ يخرج بعض «حملة المباخر» للتهجّم عليه، أو اتهامه بالتدخل في الشئون الداخلية للبحرين!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1767 - الأحد 08 يوليو 2007م الموافق 22 جمادى الآخرة 1428هـ