مما لاشك فيه أن مداخيل الكويت النفطية منذ الخمسينات وفرت سيولة نقدية فائضة أباحت لها التفكير في مشروع مستقبلي مثل مشروع صندوق الأجيال. ومن الطبيعي أن يساهم ارتفاع أسعار النفط العالمية الحالية بشكل جدي في تعزيز هذا التقدم، فزيادة المداخيل النفطية عكست نتائجها على المكوّنات الداخلية الكويتية، من زيادة الإيرادات العامة، وتحسّن الفائض في الميزان الخارجي، ونمو الناتج المحلي الإجمالي، غير أن العامل الحاسم في زيادة التطور والنمو وترسيخه بقي يتمحور حول كيفية الاستفادة من النمو المتواصل، الذي طرأ على المداخيل النفطية.
لكن الأمر الذي تجدر ملاحظته هو أن الشأن الاقتصادي أصبح يتصدر مجمل الشئون الأخرى في الكويت، فالكويت باتت تتبنى سياسة الاقتصاد الحر في مجال انفتاحها الإستراتيجي على اقتصادات العالم كافة. إذ هي لاتزال تعمل للخروج من دائرة الاقتصاد المعتمد على مورد واحد، إلى اقتصاد منتج متجدد ومتعدد الموارد، ضمن الالتزام الجاد بتعظيم دور القطاع الخاص وتحويله إلى عامل مؤثر في الاقتصاد الوطني، ليصبح العنصر الفاعل في دولة الكويت خلال المرحلة المقبلة، فالكويت عازمة على تعزيز قدراتها الاقتصادية والاستفادة من مجمل مكوّنات المجتمع وفتح المجال أمامها للمساهمة الجادة في تنشيط وتفعيل الاقتصاد.
ولا بد من الإشارة إلى أن الكويت بصدد البدء بتنفيذ إستراتيجية نفطية حتى العام 2020، لتحديث وتطوير البنية التحتية للقطاع النفطي بمختلف أنشطته الإنتاجية والتصنيعية والتسويقية. ومن المتوقع أن يتم استثمار زهاء 10 مليارات دولار في مشروعات نفطية ضخمة ضمن إطار هذه الإستراتيجية. وتشمل هذه المشروعات إضافة 7 ناقلات إلى أسطول ناقلات النفط الكويتية، وإنشاء مصفاة رابعة لتكرير النفط بطاقة 400 ألف برميل لتعزيز مصادر الطاقة وتطوير الصناعات البتروكيماوية. وهنالك اهتمام عالمي بمشروع تطوير حقول الشمال.
أما فيما يتعلق بالاستثمارات النفطية الخارجية، فإنه سيتم تقليص الاستثمارات التي لا تدخل في صلب عمل مؤسسة النفط الكويتية، على أن يتم تطوير أداء شركة كيوأيت (Q8) التي تتولى المشروعات النفطية الكويتية في الخارج. وبحسب نشرة «أويل ريفيو ميدل إيست» في تقريرها للعام 2005 فإن الكويت استفادت على الصعيد الرسمي والعام من ارتفاع الأسعار، إذ ارتفعت الإيرادات على نحو لم يسبق له مثيل ما أتاح الفرصة للمزيد من الإنفاق الرأس مالي وتجديد البنية التحتية في كثير من القطاعات كالطرق الرئيسية، والبنى التحتية للصناعة النفطية على أكثر من صعيد، فضلا عن تعزيز المنشآت ورفدها بعناصر تجعلها في مصاف الدول الكبرى المنتجة، من خلال الارتقاء بمرافق التجميع والتصدير والأرصفة النفطية في مختلف موانئ الكويت. كما تبدي الكويت، التي تمتلك حوالي عشر الاحتياطات النفطية العالمية المؤكدة من النفط، اهتماما بتحرير صناعتها النفطية، وذلك على افتراض أن تتغلب الحكومة على العقبات السياسية والقانونية عميقة الجذور، والتي تعترض الاستثمار الأجنبي المباشر للشركات النفطية متعددة الجنسيات في عمليات الاستكشاف والإنتاج النفطي في البلاد.
وترتبط أهمية صندوق الأجيال الكويتي في ذهن المواطن الكويتي بغزو صدام للكويت في التسعينات من القرن الماضي. فقد توهم صدام حسين أنه سيطر على الكويت عندما سيطر على أرضها ورمالها. فعلى رغم أهمية الأرض، فإن دولة الكويت، كما يقول عنها الكويتيون «تحولت الى شيء أشبه بالطائرة، أقلعت من الأرض وحلقت في الفضاء لمدة 7 شهور، ثم عادت بعد التحرير سالمة. وكان أحد أسباب صمود الكويت خلال 7 أشهر الغزو أموال الصندوق التي نجحت في استمرار عمل الدولة ومؤسساتها وخصوصا فيما يتعلق برعاية المواطنين وتلبية إحتياجاتهم. وكما يردد الكويتون أيضا «كان إقرار الشيخ جابر ببناء صندوق الأجيال القادمة، كان هو العامل الأساسي في إنقاذ الكويت العام 1990».
وكما أشرنا لم تعد فكرة إنشاء صندوق للأجيال المقبلة محصورة في الكويت فحسب، بل بدأت دول خليجية أخرى مثل السعودية وقطر والإمارات تأخذ بهذا المنحى. وأعتقد أن الشروع في انشاء صندوق استثماري للأجيال المقبلة في مملكة البحرين، لا يتطلب الكثير من التفكير والأخذ والرد، ولاسيما أن المرحلة الحالية تتطلب الاستفادة من التجارب السابقة، وبالتالي فإن الاعتقاد السائد بأنه حان الوقت للشروع في إنشاء صندوق الأجيال المقبلة، يجد الكثير من الصدقية.
الأمر الذي ينبغي أن نزيله من أذهاننا أن فكرة إنشاء الصندوق لابد أن تترافق مع غزارة في الإنتاج النفطي وفيض كبير في المداخيل، إذ يمكن أن يكون لكل أجيال دولة قادمة صندوقهم المتناسب طرديا مع إمكانات دولتهم. ومهما تكن محدودية هذا لكنها تبقى أفضل بكثير من عدم وجود صندوق مستقبلي يفكر في تلك الأجيال.
إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"العدد 1767 - الأحد 08 يوليو 2007م الموافق 22 جمادى الآخرة 1428هـ