العدد 1766 - السبت 07 يوليو 2007م الموافق 21 جمادى الآخرة 1428هـ

السلطة لمن؟

رحلة إلى بغداد (4)

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

قبل احتلال العراق العام 2003 أطلق النظام السابق سراح معظم المحكومين في السجون العراقية، وبعد الاحتلال تم الإفراج عن المتبقين منهم، وقد صادف أو (خطط لذلك) أن تكون عملية إطلاق السراح هذه تتزامن مع احتلال بلد خلّف فراغا أمنيا وسياسيا واقتصاديا دام شهورا، فحصل ما كان يحصل لأي بلد غابت فيه سلطة الدولة لتزداد معها عمليات السلب والنهب التي طالت كل المؤسسات الرسمية وغير الرسمية.

مع بداية تشكيل الدولة العراقية الجديدة كان «المطلق سراحهم» قد كوّنوا ثرواتهم الخاصة، وبدأوا ومعهم مجاميع أخرى جديدة يبحثون عن مظلة «رسمية» تمنحهم الشرعية في الخطف والقتل، بالمقابل كان الكثير من الأحزاب العراقية المشكّلة حديثا تبحث عن مسلحين قادرين على حمايتها أولا، وتنفيذ رغباتها في السيطرة على بعض المناطق ثانيا، فاتحدت المصلحتان وتشكّلت قوى مسلحة بحماية حزبية وسياسية من نوع ما.

لم يستمر الوضع طويلا، فمع سقوط عدد كبير من الأحزاب في الانتخابات والبدء بعملية تنظيم الدولة، استفادت العصابات من تأسيس السلطة على أساس طائفي فتحوّلت نحو أحزاب أكبر وفصائل مسلحة أقوى قادرة على منح عملياتها الإجرامية حماية سياسية مرة وطائفية مرات، كما نجح عدد آخر من هذه العصابات في اختراق المؤسسات العسكرية بمساعدة أحزاب وشخصيات سياسية كانت تبحث عن موطئ قدم في مؤسسات الدولة، وخصوصا منها الأمنية. ولأن هدف هذه العصابات المال والنفوذ فإنها بدأت تتحكم بالكثير من العمليات التي تحسب على الدولة أولا والميليشيات والفصائل المسلحة ثانيا، ونجحت إلى حد ما في تحقيق الهدفين المال والنفوذ، وهكذا صار العراقيون وفي مقدمتهم الموظفون الحقيقيون يخافون «الميليشيات» المخترقة أكثر من سلطة الدولة.

ربما ما رواه لي شاهد عيان على حادث حصل قبل أسابيع في إحدى مناطق بغداد يمثل صورة مصغرة لواقع المجتمع العراقي بأطرافه الثلاث: الشعب - السلطة - المجرمون المتخفون تحت عباءة الميليشيات. يقول الشاهد الذي يسكن قرب إحدى المؤسسات الرسمية في بغداد: تضع كل المؤسسات في بغداد مطبات اصطناعية في الشوارع القريبة منها، وفي لحظة مرور إحدى السيارات من فوق مطب صناعي انفتح فجأة باب صندوق سيارة كان فيها ثلاثة أشخاص، فقفز من الصندوق شخص مقيّد اليد وبدأ بالركض نحو حرّاس المؤسسة الحكومية يدعوهم إلى إنقاذه ممن كانوا في السيارة الذين قال عنهم إنهم خاطفوه، وفي لحظة محاولة هروب الضحية انتبه الخاطفون، فنزل اثنان، وبدءا بإطلاق عيارات تحذيرية في الهواء، داعين الضحية إلى الامتثال لهما، أمام هذا المشهد «المرعب» بحسب وصف الشاهد، رفض الحرّاس الأمنيون مساعدة الضحية، وأخرجوه من المؤسسة عنوة، قائلين: لا تورطنا مع خاطفيك!

إنها حادثة حقيقية تفسّر للجميع حال الخارج عن القانون والضحية وبينهما «السلطة» في العراق.

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 1766 - السبت 07 يوليو 2007م الموافق 21 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً