ذات مرة، سنحت لي فرصة سانحة ذهبية ثمينة، أن أطلع على رواتب عدد من الموظفين (غير البحرينيين) في بعض القطاعات، وفي وظائف (أبصم بالعشرين) على أن المئات من الكوادر البحرينية قادرة على أداء مهماتها بسهولة ويسر، ويمتلكون الخبرة العملية والمؤهل العلمي لتبوئها بجدارة، فشعرت بحال من الغضب لم تهدأ الا عندما طيبت النفس بالقول: «يارزاق»!
ففي مؤسسة إعلامية، يتقاضى أحد الإخوة العرب راتبا أساسيا يصل الى ثلاثة آلاف دينار، مضاف اليها بعض الامتيازات والبدلات التي تضيف الى الراتب مبلغا يصل الى 600 دينار، وعندما فشل ذلك الخبير في ادارة المؤسسة على مدى عامين كاملين، جاء دور (بحريني) ليتم ترشيحه بالإجماع لكفاءته وقدرته على إدارة المؤسسة بأفكار مبدعة، لكن المشكلة الوحيدة التي جعلته يرفض بقوة ذلك العرض، هو أن الراتب الذي سيتقاضاه لا يشبه اطلاقا راتب سلفه، فهو راتب قدره 750 دينارا فقط لا غير!
مؤسسة أخرى، أكاديمية هذه المرة، يبلغ أجر مدير العلاقات العامة الأجنبي فيها نحو 4 آلاف دينار، الأخ لا يداوم أكثر من خمس ساعات في اليوم، ويسافر كل ثلاثة أسابيع على (ظهر) المؤسسة ويتعلم أولاده على حساب المؤسسة، ومع ذلك، ضحكت له الدنيا (مسكين) بعرض مغر في دولة خليجية مجاورة براتب يصل الى 6 آلاف دينار، ولم يكن من المعقول أن تبق المؤسسة من دون مدير علاقات عامة، وهناك شاب بحريني قادر على تبوء المنصب وبراتب مغر أيضا يبلغ 1150 دينارا فقط لا غير.
والسؤال المحير هو: لماذا يستحق غير البحريني كل تلك الرواتب الضخمة والامتيازات الرائعة، ويحرم منها البحريني المؤهل؟ ولا أدري لماذا لا يأتي دور البحريني الا بعد أن يفشل الأجنبي (ولد الباليوزة)؟
لو قدر لك أن تختار عينة عشوائية من الموظفين والموظفات البحرينيات وتقدم لهم عرضا وظيفيا براتب ألف دينار، ستجد أولئك الناس وقد احولت عيونهم ودار رأسهم وارتجفت اوصالهم وسال لعابهم فقط لراتب ألف دينار! وربما لم يتمكنوا من النوم بمجرد سماع ذلك العرض، بل وستجدهم في حال من التهجد والعبادة وتوزيع الحلويات وعقد النذور للنعمة التي نزلت عليهم، وستجدهم يقضون كل أيامهم في العمل المضني الذي لا راحة فيها حفاظا على راتب الألف دينار. فما بالك اذا تجاوز الراتب أكثر من ذلك؟
شاب بحريني، طبيب استشاري مبدع، لم يصدق الخبر الذي نزل عليه كالصاعقة حينما حصل على عقد عمل في أحد المستشفيات الخليجية براتب 5 آلاف دينار، ولم يضيع دقيقة واحدة في تقديم استقالته وتجهيز حقائبه والسفر طلبا للرزق تاركا هما ثقيلا في وظيفة استشاري لا يتجاوز راتبها 1150 دينارا.
باختصار، شهدت السنوات الماضية هجرة لطاقات بحرينية خلاقة لم تجد الفرصة للعيش براحة نتيجة ظروف العمل السيئة والراتب الهزيل، ولكن السؤال: هل نرخص كفاءات بحرينية ونودعها لتهاجر من دون أسف، ونحن في أمس الحاجة اليها؟
الجواب قد يكون لدى من يصرف الكثير الكثير على غير البحريني، ويستكثر على ولد البلد الذي سهر وتعب مجرد راتب خيالي اسمه «ألف دينار».. عيش يا عمي والرزق على الله.
إقرأ أيضا لـ "سعيد محمد"العدد 1766 - السبت 07 يوليو 2007م الموافق 21 جمادى الآخرة 1428هـ