حزنت كثيرا وأنا أقرأ لكاتب عربي يفترض أنه مرموق وموضوعي كما كنت أتصوّر! ولكن تعالوا معي لنحاوره بهدوء لأن الأمر برأيي خطير ويستوجب التوقف عنده شفقة منّا على ما نحن فيه من ضياع مفروض أو تضليل مقصود!
يبدأ الكاتب المحترم فرضيته الأولى كما يأتي: «يعرف الرئيس الأميركي أن بلاده تتعرض في الشرق الأوسط لحربين الأولى مباشرة تشنّها القاعدة، والثانية غير مباشرة وتتمثل في الهجوم الإيراني الشامل»!
وسؤالنا البريء الأول له هو: «هل أن بلاد الرئيس الأميركي هي التي تتعرّض لحربين في منطقتنا أو أنه هو وإدارته يشنّ حربين غير منطقيتين وغير مبررتين وغير محسوبتين بدقة ومخالفتين للمصالح القومية الأميركية العليا، ناهيك عن مخالفتهما الصريحة لكل المعايير والمعاهدات الدولية باعتراف وتشخيص كبار ساسة وعقلاء أميركا، أم نحن الذين اختلقنا هذين الحربين في الشرق الأوسط ضد بلاده والفرق بينهما كبير وكبير جدا؟!».
وهنا استسمح القرّاء عذرا في القفز عن موضوع اللغط الواسع والمتعمد الذي يثار بشأن الحرب على القاعدة والإرهاب الدولي ؛لأنني غير «فقيه» فيه ولست مطلعا على كل جوانبه ؛لأدخل في توجيه أسئلة بريئة إضافية للكاتب المحترم بشأن مقولة الحرب الثانية التي أزعم أنني متخصص فيها و»فقيه»!
يجزم الكاتب المحترم بأن الحرب الثانية: «ترمي إلى إرغام الولايات المتحدة على الإقرار بقيام دولة كبرى في الإقليم تستحق لعب دور الشريك وهي إيران»! وسؤالنا البريء له هو: «ماذا تخبئ في طيّاتها مقولة الدولة الكبرى بالنسبة إليه وشريكة مَنْ ستكون هذه الدولة، ومن ثم هل هو على اطلاع كافٍ على طريقة تفكير القائمين على هذه الدولة حتى يصفها في مكان آخر من المقال على كونها تأتي (استكمالا للحلم الامبراطوري)»؟!
ويمضي الكاتب المحترم بعد ذلك في تخميناته بل في جزمياته التي لم يتجرأ من الاقتراب منها حتى الرجل الأول المعني بهذا الملف؛ أي محمد البرادعي فيجزم صاحبنا متسائلا مستنكرا: «وهل يستطيع العالم احتمال ترسانة نووية في عهدة الملالي على ضفاف مضيق هرمز وبين خزاني النفط في الخليج وقزوين؟»!
وسؤالنا البريء الثالث للكاتب المحترم هو: «من أين أتت جزمياته هذه بنية إيران بامتلاك ترسانة نووية»؟ تصوروا يا إخوان «ترسانة»! وليس قنبلة او اثنتين وماذا في عهدة «الملالي» وهو مصطلح لا يستخدمه إلا الذين يضمرون الأسانة أو الاستهزاء أو احتقار صفة علماء الدين من كتّاب المعارضة البائسين أو بعض الغربيين الحاقدين كما هو معروف، وإن كان ذلك ليس بالضرورة مقصود الكاتب المحترم كما نأمل! وتاليا «توظيف إيران الخمينية الوسادة النووية للعودة القوية إلى الأسرة الدولية أم توظفها في استكمال الحلم الامبراطوري...» كما يكمل الكاتب المحترم غامزا من قناة إيران الشاهنشاهية أو البهلوية التي يريد أن يحمل أطماعها ومواقفها القومية المعروفة في عدائها للعرب للحكم الإسلامي الراهن؟!
ويمضي الكاتب بعيدا في تقييم قوة أميركا وجبروتها بالقول: «تستطيع الآلة العسكرية الأميركية سحق كل تلك العناوين وإرجاع إيران عشرين عاماَ إلى الوراء وإغراق نظام خامنئي في الحطام وربما إرغامه على وقف النزاع»! لكنه وبعد أن يتساءل عن اليوم التالي مشفقا على مستقبل المنطقة ولكن من حيث النفط ومصالح أميركا الحيوية وأمن «إسرائيل» كما ورد في مقدمة المقال البتة وكما أظهرت قدرات «صواريخ حزب الله اللبناني في تهديد أمن الدولة العبرية الصيف الماضي» بحسب قوله وإن إيران قادرة على الرد الموجع في سلاح «النفط الذي تهدد به واستنزاف القوات الأميركية في العراق وأفغانستان وكما ساهمت مع سورية في تحويل الحلم العراقي كابوسا»! يتهكم بالقول هنا بكلمة «ابتسم»! يخلص إلى صلب الموضوع وخاتمته بالقول: «يقلب جورج بوش الخيارات لا تستطيع أميركا الاستمرار إلى ما لا نهاية في احتمال حربين... التفاوض مع الظواهري غير ممكن وأحمدي نجاد ذاهب بعيدا في التخصيب والتهديد في لبنان وغزة فضلا عن العراق وأفغانستان. لا خيار غير الحرب مع الظاهري وأحمدي نجاد يضع أميركا أمام خيار شديد الصعوبة والخطورة: صفقة كبرى أو حرب كبرى... أم حرب ضد عنوان آخر لإبعاد إيران عن المتوسط وإعادتها إلى إيران؟».
ونحن هنا نوجّه للكاتب المحترم وبالبراءة المعهودة نفسها الوجبة الرابعة من أسئلتنا لكنها برأينا الأصعب والأكثر خطورة من خيارات بوش وهي: مَنْ كان يهدد مَن في حرب الصيف الماضي «إسرائيل» أمن لبنان أم العكس؟ ومَن حوّل الحلم العراقي بالتحرر من الاستبداد والتبعية إلى كابوس أميركا الحرة والديمقراطية أم إيران وسورية؟ ومَن يذهب بعيدا في «التخصيب» والتهديد بعيداَ في لبنان وغزة فضلا عن قتل المدنيين والأبرياء في العراق وأفغانستان إيران أحمدي نجاد أم قوات اليانكي القادمة من وراء البحار البعيدة بحثا عن النفط وأمن «إسرائيل» كما تصرح أنت وتؤكد في مقدمة مقالك المغالط والمكتوب بأحرف الهرم المقلوب؟!
وسؤالي البريء الأخير هو - ولكن قلها بصراحة كما هو جورج بوش - «هل تشارك ذلك الكاتب الأشهر منك اسما ولمعانا من الذهب الذي يملكه في تصريحه الشهير الذي كتبه في إحدى افتتاحيات الصحيفة التي كان يرأسها يوماَ وهو يقول بالحرف الواحد: (بقدر ما كنت سعيدا بقصف مفاعل تموز العراقي سأكون أكثر سرورا وفرحا بقصف مفاعل بوشهر الإيراني)»؟!
أمل أن يكون جوابك صريحا جداَ وأن تمتلك الجرأة على الدفاع حتى النهاية عن المغالطات الخطيرة التي وقعت بها أو أوقعوك وأنت تصنف الحربين اللتين نهدد بهما نحن أهل المنطقة أميركا وليس إدارة بوش وحدها! أو أن تكون لك الشجاعة اللازمة للاعتذار من شعوب المنطقة على ما اتهمتهم به زورا وبهتانا ليس فقط بسبب مغالطة الحربين اللتين نشنهما على أميركا البريئة بل وبسبب نظرة الاستصغار والاحتقار التي سكنت روح مقالك الكريم وأنت لا ترى في شعوب هذه المنطقة - ولاسيما العربية منها - إلا تابعة لأميركا أو «فاعلة» بالواسطة لدى الطموحات الامبراطورية الإيرانية كما ورد في مقالكم المحكم، لعلك تخرج من شبهة «أخذته العزة بالإثم»!
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1766 - السبت 07 يوليو 2007م الموافق 21 جمادى الآخرة 1428هـ