أطنانٌ من الحبر سالت، وأطنانٌ أخرى من الأوراق استهلكت في الحديث عن كارثة «خليج توبلي»، ولكن العبرة بما سيجري تنفيذه لإنقاذ هذا الخليج المنكوب.
الجميع الآن ينتظر سياسة واضحة وشفافة من أجل العلاج. القضية لم تعد تهم سكان المنطقة المنكوبة المطلة على الخليج فقط، بل أصبحت قضية رأي عام، تهم جميع مَنْ يتطلع إلى مستقبلٍ مشرق لهذه الجزر الوادعة، ويحمل ولاء حقيقيا في قلبه لهذا الأرخبيل. والجدية في العلاج هي التي ستحدّد ملامح هذا الوطن، فهل نحن مقبلون على إصلاح ما دمّرناه بحق البيئة... أو ستُترك إلى قلةٍ من التجّار والمرابين والسماسرة تعيث في تدمير ما تبقى من بحار وشواطئ وخلجان؟
ما تعرّض له هذا الخليج الجميل، أتاح الفرصة لقرع جرس الإنذار. والمعادلة باتت واضحة تماما: تكون البحرين أو لا تكون، يظل وجه البحرين كما عُرف عبر التاريخ، أم يتحوّل البر إلى «سمادة»... والبحر إلى مستنقعات.
الاقتراحات التي طرحها مجلس الوزراء الأحد الماضي، تبقى حلولا قصيرة المدى وقاصرة عن العلاج، وفي نطاق «أضعف الإيمان»، رغم أهميتها المرحلية، ولابدّ من إقرار حلولٍ جذريةٍ تنقذ الخليج، وتدحض الشكوك بوجود خطةٍ مبرمجةٍ للإجهاز عليه. وفي الأيام الأخيرة اتصل عددٌ من المواطنين من أبناء قرى المعامير والعكر والنويدرات وسترة، تحدوهم الرغبة في تصحيح معلومةٍ تكرّر ذكرها في التغطيات الصحافية والمقالات، وهو ما درج على تسميته «معابر النويدرات»، بالإشارة إلى أن المعابر المذكورة تقع بين العكر والمعامير، وليس لها ارتباط بالنويدرات. وهو خطأٌ غير مقصود كما هو واضح، ورد أول ما ورد في الإعلان الصادر عن مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، وجرت على استخدامه الصحف المحلية من دون تدقيق.
قضية «خليج توبلي» أتاحت الفرصة لتعميم الهمّ البيئي على أوسع نطاق، بعد أن كان يعاني النشاط البيئي من عقدة «النخبوية»، كما أثار جدلا واسعا بين المهتمين للتفكير في العلاج. أحد الدارسين البيئيين قال في حديث خاص: «إن الخليج في تقديري يحتاج إلى عشر سنوات حتى يتعافى، فالمحطة كانت تصبّ فيه مخلفاتها منذ 28 عاما، فضلا عما يلقى فيه من مخلفات مصانع غسيل الرمال والقاذورات والردم».
الدارس الذي تحفّظ على ذكر اسمه، أشار إلى تجربته الشخصية في العام 2002، حين تعرّض لمرض شديد استمر أسبوعا بعدما نزل إلى الخليج لأخذ عيّناتٍ من القاع، وذلك بسبب الكميات الكبيرة من النترات والأمونيا من نواتج الفضلات البشرية، فضلا عن السلت (المواد العالقة الناتجة عن غسيل الرمال). ويقدّر أن نسبة مساهمة المحطة في كارثة الخليج تصل إلى 70 بالمئة، و25 بالمئة إلى غسيل الرمال، و5 بالمئة فقط إلى عمليات الردم وإلقاء المخلفات. وهي تقديراتٌ أوليةٌ قد يُتحفّظ على بعض جزئياتها، خصوصا لما سبّبه حب تكديس الأموال من توسع خطير في عمليات الردم في مختلف الجهات، وخصوصا خليج توبلي الذي تقلّصت مساحته إلى النصف خلال عقدين فقط (من 28 إلى 13.5 كيلومترا تحديدا).
ورغم كل ما قيل وكُتب ونُشر عن تدمير جزءٍ غالٍ من أرض ومياه هذا الوطن الحبيب، لم ينطق أحدٌ من طابور «حملة المباخر» عن الكارثة بكلمة واحدة... وهم الذين تخصّصوا في تصديع أدمغة الناس بأبخرة «الولاء»! فتكلّمي... ونهنهي أيتها المباخر.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1766 - السبت 07 يوليو 2007م الموافق 21 جمادى الآخرة 1428هـ