العدد 1766 - السبت 07 يوليو 2007م الموافق 21 جمادى الآخرة 1428هـ

من أوراق حرب تموز (2)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل نحو سنة بدأت حكومة تل أبيب سياسة التدمير المنهجي لقطاع غزة بذريعة خطف جندي إسرائيلي برتبة كابورال. وفي 12 يوليو/ تموز نفذ حزب الله عملية دفاعية نوعية داخل الحدود الدولية فتذرعت حكومة إيهود أولمرت بالهجوم لتشن حملة تقطيع أوصال للبنى التحتية وقرى الجنوب والجسور والمؤسسات والمدارس والمطارات لمدة 33 يوما.

تحت وقع الضربات الجوية والبرية والبحرية التي باشرتها تل أبيب مستفيدة من الدعم الدولي دخل لبنان (دولة ومقاومة) مرحلة سياسية حساسة شكلت نقطة انعطاف في تاريخه. وحتى الآن لا يزال هذا البلد الصغير يعاني من ارتدادات ذاك الزلزال على مستويات مختلفة.

آنذاك كتب الكثير عن العدوان وجرت قراءات مختلفة لمجرى الحرب وغاياتها القريبة والبعيدة. وتابعت «الوسط» الوقائع الميدانية يوميا وعلقت عليها في مقالات حاولت قدر الإمكان التقاط تلك الإشارات التي أرادت واشنطن توجيهها للعاصمة بيروت، ومختلف دول المنطقة العربية والإسلامية من تحت الأنقاض.

تعليقات كاتب هذه السطور صدرت في جو دولي وعربي ولبناني مضطرب ساده الغموض وعدم وضوح الرؤية للأسباب والنتائج المترتبة عن هذا العدوان.

الكتابة اليومية مشكلة وخصوصا حين تسجل الانطباعات تحت وقع ضربات الحرب وسياسة التحطيم المنهجي والمبرمج. وحين تكون الكتابة مهمة يومية يصبح على الكاتب واجب توضيح الصورة من كل زواياها ومن دون انفعال بالحدث حتى لا تنزلق الكلمات إلى مكان تنعدم فيه العقلانية والواقعية.

مضت الآن سنة على تلك المقالات. وفي مناسبة الذكرى الأولى للعدوان سيتم نشر 5 في المئة فقط من تلك الأوراق لتقديم فكرة موجزة عن انطباعات تلك اللحظات المؤلمة والقاسية. ونسبة 5 في المئة تشكل عينة بسيطة ولكنها كافية لتسجيل وقائع بدأت في قطاع غزة وانتهت في تلك الجلسة التي عقدها الكنيست الإسرائيلي لمحاسبة حكومة أولمرت على ما أسمته إخفاقات الحرب.

لبنان... الحلقة الثانية (15/7/2006)

اجتمع أمس مجلس الأمن للبحث في الشكوى التي رفعها لبنان بشأن العدوان الإسرائيلي.

وكما كان متوقعا لم يختلف الموقف الأميركي عن ذاك الذي اتخذته الإدارة بشأن العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. فالولايات المتحدة استخدمت حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قرار يدين الاعتداءات ويطالب بوقف سياسة التقويض في غزة، كذلك لا يستبعد أن تستخدم أميركا الفيتو مرة أخرى لتأخير صدور قرار بشأن سياسة التقويض التي تعتمدها حكومة تل أبيب ضد الدولة اللبنانية.

تل أبيب الآن تتهم الحكومة اللبنانية بالمسئولية وتطالبها بتطبيق ما تبقى من فقرات القرار الدولي 1559. وكذلك تعتبر حكومة أولمرت أنها تملك الوقت والأسباب والدوافع التي تعطيها الذريعة الكافية لاستكمال سياسة التقويض وإخضاع الدولة اللبنانية لشروطها التي تتغطى بسقف دولي.

القطاع (حماس) هو الحلقة الأضعف. وبعده يأتي لبنان (حزب الله)، ثم تأتي سورية في الدرجة الثالثة... وإيران تعتبر في هذا المعنى الحلقة الأقوى في السلسلة. ولذلك يرجح أن تترك طهران إلى الشوط الأخير بعد اختبار مدى الحراك السوري وقدرة دمشق على التجاوب أو الرد.

انتقل أمس الملف اللبناني إلى مجلس الأمن ويتوقع من الولايات المتحدة المماطلة لكسب الوقت واستخدام حق النقض لتقويض أي توجه دولي لوقف العدوان. وما حصل في غزة سيتكرر مع لبنان ؛لأن هدف واشنطن في النهاية اختبار النوايا واكتشاف مدى ضعف المنطقة وفحص استعدادها للتحرك والرد على التحديات.

تقويض دولة لبنان (16/7/2006)

هناك ثلاثة احتمالات يمكن تصورها إذا استمرت الضربات الإسرائيلية الشاملة.

الاحتمال الأول: تقويض الدولة اللبنانية وتحويلها إلى هيئة إغاثة محلية توزع المساعدات وتشرف على تنظيم العلاقات بين المناطق والضواحي. فالدولة في لبنان ضعيفة أصلا وهي تعتمد تقليديا على سلسلة توافقات طائفية من الصعب ضبطها سياسيا من دون تنازلات متبادلة من أمراء المناطق. وهذه الدولة لا تستطيع تحمل هذا الكمّ من الضغط الخارجي وتحتاج دائما إلى عون عربي يوفر لها الاستقرار والتفاهم. فالدولة هي الهدف السهل في عمليات الاجتياح الجوية التي تنفذها حكومة أولمرت. وفي حال استمر هذا الغزو الجوي من دون ضوابط وكوابح سيضرب الانهيار العام أركان الدولة وستفقد المؤسسات وظيفتها ودورها وستتحول المناطق إلى شراذم دويلات (إدارات محلية) يدير شئونها «أمراء الطوائف» أو زعماء الميليشيات.

الاحتمال الثاني: نهوض مراكز قوى محلية تسيطر على مناطق محددة يغلب عليها هذا اللون الطائفي أو المذهبي. وهذا الأمر ليس جديدا على لبنان، إذ قامت فيه سابقا أشكال من الكانتونات (الإدارات المحلية) خلال الفوضى الأهلية التي ضربت لبنان خلال فترة حروبه الداخلية والإقليمية بدءا من العام 1975 إلى ما بعد توقيع اتفاق الطائف. فالتفكيك الأهلي ليس مستبعدا والنموذج الذي أسسته الولايات المتحدة في العراق قابل كما يبدو للتطبيق في لبنان. فهذا البلد الصغير سيبقى موجودا على الخريطة السياسية لجغرافية المشرق العربي ولكنه سيكون مجموعة «دويلات» يشرف على إدارتها أمراء الطوائف والمناطق وتقوم الدولة المقوضة بتنسيق العلاقات بينها.

الاحتمال الثالث: إعادة تعويم اتفاق العام 1976 الذي يقوم على سلسلة قواعد متجاذبة منها عزل الدولة في بقعة صغيرة للمحافظة على شرعية رمزية لجمهورية معترف بها في الأمم المتحدة. وهذه «الجمهورية» ستكون ضعيفة وتحتاج إلى رعاية إقليمية متوافق عليها من الجارين.

تقويض مقاومة لبنان (17/7/2006)

تقويض مقاومة لبنان يعتبر الهدف الرئيسي في حملة التدمير الشامل التي تقودها «إسرائيل» ضد مؤسسات الدولة ومرتكزاتها الاقتصادية والحيوية.

فالعدو الصهيوني يخطط لهذا الهدف منذ إنزال الهزيمة باحتلاله واضطراره للانسحاب من الجنوب في العام 2000.

خطة تقويض لبنان (دولة ومقاومة) لم تبدأ بعد نجاح حزب الله في تنفيذ تلك العملية الدفاعية النوعية على الحدود الدولية. الخطة قديمة ومرسومة وتم تأجيلها بطلب أميركي ؛لأن واشنطن آنذاك وضعت جدول أولويات تبدأ بالانتقام من أفغانستان في العام 2001 والثأر من العراق في العام 2003 وتنتهي بتطويق إيران من مختلف الجهات ومحاصرة سورية في المنطقة ووضعها تحت المراقبة الدولية الدائمة.

بدأت الآن حرب التقويض الإسرائيلية والانتقام من لبنان (الدولة والمقاومة). إلا أن قراءة المسار العام الذي تتجه إليه الآلة الحربية الإسرائيلية تؤكد من جديد أن تقويض الدولة ليس صعبا ؛لأن الدولة من حجر بينما تقويض المقاومة ليس سهلا ؛لأن المقاومة من بشر.

تكنولوجيا ضد إنسان (18/7/2006)

الحرب القائمة الآن من غزة إلى لبنان اختلفت قوانينها ولعبتها وقواعدها، فضلا عن شروطها السياسية الدولية والعربية والإقليمية. الحرب الجارية الآن من القطاع إلى هذا البلد الصغير المنكوب هي أميركية بامتياز تقودها «إسرائيل» نيابة عنها.

بين 1982 و2006 (19/7/2006)

ماذا تريد «إسرائيل» من سياسة التدمير المنهجي والمبرمج للدولة اللبنانية؟ وما الخطة التي تتصورها حكومة إيهود أولمرت من وراء الحرب المفتوحة تحت سقف ذريعة إطلاق سراح الجنديين؟ حتى الآن تبدو الأمور غير واضحة باستثناء تلك التصريحات العشوائية والمتعارضة التي يطلقها بين الفينة والأخرى بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية.

هذا النوع من الالتباس في الغايات المرجوة والمطلوبة من تحطيم مقومات البلد الصغير يكشف عن وجود خطة تشطير لبنان إلى مناطق متنازعة داخليا تدير علاقاتها الأهلية المتوترة دولة ضعيفة لا يحق لقواتها التقدم الميداني إلى الحدود. فالحدود الجديدة التي تريد «إسرائيل» ترسيمها تميل إلى نوع من «التدويل» الذي تشرف على إدارته قوات القبعات الزرق التابعة للأمم المتحدة. ووراء القوات الدولية ينتشر الجيش. ووراء الجيش يتوقع أن تظهر مجموعة أحزمة أمنية وظيفتها منع المقاومة من التحرك جنوبا وتركها تتحرك شمالا.

«إسرائيل» وتغيير قواعد الحرب (20/7/2006)

في اليوم الثامن لحرب التقويض ضد لبنان دولة ومقاومة التي تنفذها الآلة العسكرية الإسرائيلية انتقلت حكومة إيهود أولمرت من سياسة تدمير البنى التحتية والمرتكزات الاقتصادية والمرافق الحيوية والمؤسسات المدنية التابعة إلى القطاع العام إلى سياسة تدمير الملكيات الفردية والشركات الصغيرة والمعامل والمحلات التجارية وتلك المرافق والمؤسسات والمرتكزات الاقتصادية التابعة إلى القطاع الخاص.

ما يحصل في لبنان عمل عسكري من العيار الثقيل وهو يقع في إطار استراتيجية أميركية كبرى تعتمد منهج التقويض تمهيدا لنشر «الفوضى البناءة» وما ينتج عنها لاحقا من سياسات تبرر تلك الفكرة التي طرحت بعد سقوط بغداد في العام 2003، وتقول: إعادة رسم خريطة الشرق الأوسط.

لبنان و«الفوضى البناءة» (21/7/2006)

حين اتخذت الإدارة الأميركية قرار تحطيم لبنان ونقل نظرية «الفوضى البناءة» إلى دياره كانت على علم ودراية بمدى ضعف الدولة فيه وقوة الطوائف. فالطوائف تاريخيا أقدم من الدولة وأعرق وتملك كل واحدة منها خصائص ثقافية تميزها في السلوك واللهجة ورؤية الواقع والنظر إلى العالم والمحيط.

«إسرائيل» في حربها على لبنان التي امتدت حتى الآن عشرة أيام حققت أهدافها الخاصة ومشروع أميركا التقويضي وبدأت بدعم من واشنطن في نشر سياسة «الفوضى البناءة». وفلسفة هذه السياسة تقوم على خطوات ثلاث: تقويض الدولة، تشكيل حكومة ضعيفة، وتأسيس مقاطعات يديرها ولاة أو أمراء حرب أو زعماء ميليشيات ضمن منطق تتحكم فيه شروط المنطقة (الطائفية أو المذهبية).

حرب مفتوحة ودبلوماسية مغلقة (22/7/2006)

حتى الآن مضى على سياسة تحطيم لبنان 11 يوما، ويرجح أن المفاوضات الدبلوماسية لن تنجح في وقف الكارثة التي سقطت كالصاعقة على الشعب ودمرت البنية التحتية للقطاعين العام والخاص قبل مضي 11 يوما آخر.

فالدولة في لبنان عمليا تقوضت في معادلة الصراع الدائر الآن وتحولت إلى هيئة إغاثة. وحتى الآن لم تكشف «إسرائيل» ورقتها السرية. كذلك لم يتبلور موقف واضح سياسيا (غير التأييد المعنوي) من سورية وإيران.

المسألة إذا ستكون مفتوحة من الآن إلى نحو أسبوع أو نهاية الشهر الجاري. وحتى تكتمل الصورة لا يستبعد حصول الكثير من السيناريوهات منها ما يمكن توقعه ومنها ما يفوق التوقعات.

حرب مزدوجة ضد الدولة والمقاومة (23/7/2006)

مضى الآن 12 يوما على حرب الدمار الشامل ضد لبنان التي تنفذها «إسرائيل» بالوكالة عن الولايات المتحدة.

فالحرب حتى الآن تبدو مفتوحة على كل الاحتمالات وخصوصا بعد أن رفضت أميركا مبادرة كوفي عنان وأحبطت مشروع قرار لوقف إطلاق النار. الإدارة الشريرة في «البيت الأبيض» لا تريد وقف النار والدخول في مفاوضات والبحث عن مخارج للازمة أو صيغ للحل قبل أن تستكمل الدولة العبرية خطة التقويض.

من خلال هذا المشهد الدولي/ الإقليمي يمكن فهم أسباب ودوافع هذه الحرب المزدوجة التي تخوضها «إسرائيل» ضد الدولة والمقاومة على السواء. فالحرب ضد الدولة اللبنانية تعني محاولة لإضعاف المحور المصري ­ السعودي عربيا من خلال تحطيم نفوذه والعمل على إخراجه من المعادلة المحلية (كسر قوة 14 آذار). والحرب ضد المقاومة اللبنانية تعني محاولة لإضعاف المحور السوري ­ الإيراني عربيا ومنع عودته إلى المعادلة المحلية من خلال كسر شوكة القوة الأساس في جماعة 8 آذار.

الحرب إذا مزدوجة ومفتوحة على خطين. لذلك يمكن أن نفهم لماذا حطمت «إسرائيل» بدعم من أميركا وبريطانيا البنية التحتية للدولة وضربت كل المرتكزات التي تحتاجها إلى النهوض بدورها. كذلك يمكن أن نفهم لماذا أعلنت «إسرائيل» حرب الدمار الشامل على كل مؤسسات الخدمة المدنية والإعلام والهيئات التابعة لحزب الله والمشروعات الخيرية للسيدمحمد حسين فضل الله بذريعة أسر جنديين.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1766 - السبت 07 يوليو 2007م الموافق 21 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً