العدد 1765 - الجمعة 06 يوليو 2007م الموافق 20 جمادى الآخرة 1428هـ

من أوراق حرب تموز (1)

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

قبل نحو سنة بدأت حكومة تل أبيب سياسة التدمير المنهجي لقطاع غزة بذريعة خطف جندي إسرائيلي برتبة كابورال. وفي 12 يوليو/ تموز نفذ حزب الله عملية دفاعية نوعية داخل الحدود الدولية فتذرعت حكومة إيهود أولمرت بالهجوم لتشن حملة تقطيع أوصال للبنى التحتية وقرى الجنوب والجسور والمؤسسات والمدارس والمطارات لمدة 33 يوما.

تحت وقع الضربات الجوية والبرية والبحرية التي باشرتها تل أبيب مستفيدة من الدعم الدولي دخل لبنان (دولة ومقاومة) مرحلة سياسية حساسة شكلت نقطة انعطاف في تاريخه. وحتى الآن لا يزال هذا البلد الصغير يعاني من ارتدادات ذاك الزلزال على مستويات مختلفة.

آنذاك كتب الكثير عن العدوان وجرت قراءات مختلفة لمجرى الحرب وغاياتها القريبة والبعيدة. وتابعت «الوسط» الوقائع الميدانية يوميا وعلقت عليها في مقالات حاولت قدر الإمكان التقاط تلك الإشارات التي أرادت واشنطن توجيهها للعاصمة بيروت، ومختلف دول المنطقة العربية والإسلامية من تحت الأنقاض.

تعليقات كاتب هذه السطور صدرت في جو دولي وعربي ولبناني مضطرب ساده الغموض وعدم وضوح الرؤية للأسباب والنتائج المترتبة عن هذا العدوان.

الكتابة اليومية مشكلة وخصوصا حين تسجل الانطباعات تحت وقع ضربات الحرب وسياسة التحطيم المنهجي والمبرمج. وحين تكون الكتابة مهمة يومية يصبح على الكاتب واجب توضيح الصورة من كل زواياها ومن دون انفعال بالحدث حتى لا تنزلق الكلمات إلى مكان تنعدم فيه العقلانية والواقعية.

مضت الآن سنة على تلك المقالات. وفي مناسبة الذكرى الأولى للعدوان سيتم نشر 5 في المئة فقط من تلك الأوراق لتقديم فكرة موجزة عن انطباعات تلك اللحظات المؤلمة والقاسية. ونسبة 5 في المئة تشكل عينة بسيطة ولكنها كافية لتسجيل وقائع بدأت في قطاع غزة وانتهت في تلك الجلسة التي عقدها الكنيست الإسرائيلي لمحاسبة حكومة أولمرت على ما أسمته إخفاقات الحرب.

اختبار القوة والضعف 01/7/2006

تحطيم البنى التحتية في قطاع غزة بالضرب الجوي عن بعد وشن هجمات سريعة لاعتقال رموز السلطة المنتخبة معطوفا على إرسال الطيران الحربي للتحليق في الأجواء العربية، كلها محاولات لاختبار ردة الفعل من خلال اختيار الحلقة الضعيفة في السلسلة. فحكومة أولمرت اختارت غزة لقياس مدى ترابط حلقات السلسلة التي تمتد من فلسطين إلى إيران. وهي لجأت إلى إجراء امتحان ميداني في الحلقة الأضعف حتى تختبر مدى قوة ذاك الترابط، وهل تمتلك السلسلة فعالية سياسية للرد أو هي على استعداد للاستنفار.

رسالة عامة 02/7/2006

ماذا إذا تريد حكومة أولمرت إثباته من خلال استعراض قوتها العسكرية وتفوقها الحربي؟ الاحتلال أو إعادة الاحتلال أم إظهار جوانب معينة في سياسة الاختبار العامة لموازين القوى في المنطقة.

إعادة الاحتلال مسألة صعبة ومعقدة ولذلك اعتبرت غير مطروحة على جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية كما قال أولمرت. الكشف عن مكامن قوة «إسرائيل» العسكرية في الحروب النظامية، ليس جديدا فهناك ما يشبه التوافق على أن «إسرائيل» هي الطرف الأقوى في المعادلة الحربية النظامية. تبقى نقطة غامضة بحاجة إلى توضيح وهي احتمال أن تكون العملية محاولة لاختبار موازين القوى في المنطقة ومدى استعدادها للمواجهة بامتحان نواياها من خلال تركيز الضرب على الحلقة الأضعف في المعادلة.

أبعد من «كابورال» 03/7/2006

الأسئلة تؤكد أن الموضوع المرسوم سلفا أكبر بكثير، وهو يتجاوز في جوهره السياسي تلك الذريعة التي تستخدمها حكومة إيهود أولمرت لتغطية أفعالها. فأولمرت كما يبدو اتخذ قرار الهجوم بناء على ترتيبات مسبقة مع إدارة واشنطن حين قام بزيارته للولايات المتحدة للمرة الأولى بعد انتخابه. فالقرار ليس ردة فعل كما تحاول حكومة أولمرت إظهار الموضوع أمام العالم وخلال جلسات مجلس الأمن. كذلك الكلام الذي تفوّه به المندوب الأميركي في الأمم المتحدة والاتهامات التي أطلقها ضد سورية يؤكد أن المسألة تتجاوز «الكابورال»، وهناك ما يشبه التنسيق التام بين بوش وأولمرت في الموضوع.

«عدالة» القوة 04/7/2006

وسط عدم اكتراث دولي تبدأ اليوم محاكمة الوزراء والنواب الفلسطينيين المختطفين بتهم تتصل بالإرهاب ودعم القوى المعارضة للاحتلال.

وعدم الاكتراث يشير إلى وجود فضاء دولي غير معارض بقوة للسياسات الإسرائيلية التي تقودها حكومة إيهود أولمرت. وهذه النقطة تعتبر خطيرة في العلاقات الدولية ؛لأنها جديدة في إطار رؤية منطق تلك العلاقات وما تعنيه من احتمالات تجددها في أمكنة أخرى.

صواريخ كوريا... وإيران 8/7/2006

المعركة الدبلوماسية الجارية الآن في مجلس الأمن مهمة للغاية ؛لأن النتائج التي ستسفر عنها ستعكس في النهاية نسبة التوازنات الدولية وسترسم الخطوط العريضة للسياسة المقبلة وتحديدا تلك المرجح صدورها بشأن ملف إيران النووي. فالخلاصات القانونية والسياسية التي ستنتهي إليها الخلافات في موضوع كوريا الشمالية ستكون سابقة (عينة مصغرة) أو مقدمة عامة لتلك التي يتوقع صدورها بشأن إيران. فإذا توافقت دول مجلس الأمن على «بيان» ضد كوريا فإن إيران ستحصل لاحقا على بيان مشابه وإذا توافقت على «قرار» فإن الأمر نفسه سيتكرر مع طهران. هذا احتمال. الاحتمال الآخر هو أن تعقد صفقة ضمنية تسمح لكوريا أن تستكمل برنامجها وتمنع إيران من الحق نفسه.

انهيار العراق 10/7/2006

العراق الآن في حال احتقان أهلي ينذر بانفجار بركاني داخلي. والانفجار ليس مستبعدا على رغم كل الكلام «المعسول» أو «التطمينات» التي تصدر عن هذا الطرف أو ذاك. فالتصريحات الرسمية ليست دقيقة ولا تعكس فعلا تلك الصورة الواقعية التي تظهر يوميا على شاشات التلفزة والفضائيات. والقوى السياسية التي تعتمد على القوات الأميركية لضبط الوضع الأمني تساهم بوعي أو من دون وعي في تزوير الحقائق وتبرير كارثة أخذت تتشكل معالمها على الأرض.

أخطاء رامسفيلد 11/7/2006

هذه الحال المتشعبة من المواجهات الإقليمية والدولية كشفت عن وجود غايات غير معلنة تستخدمها إدارة واشنطن لتغطية نظرية الحرب الدائمة. فهذه الحرب العالمية المختلقة شكلت ذريعة للحزب الجمهوري لتبرير سياسة الإنفاق المالي على الدفاع والصناعات الحربية.

عالم مغاير 12/7/2006

بعد أيام تبدأ في سان بطرسبورغ قمة «مجموعة الثماني» التي تضم أميركا وروسيا واليابان وألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا.

وأمام القمة الكثير من الملفات الدولية والاقتصادية والأمنية. ويرجح أن تتفق على بعضها وتؤجل بعضها الآخر نظرا إلى تفاوت الوجهات في تقدير المواقف. فروسيا تنظر إلى بعض الملفات من مكان لا يتفق بالضرورة مع الرأي الأميركي. والولايات المتحدة أيضا لا توافق على بعض توجهات دول الاتحاد الأوروبي. ولذلك ستكتفي الدول في قراءة بعض الملفات الحساسة أو الطارئة مثل أزمة الصواريخ الكورية والرد الإيراني على «الحوافز» مقابل تجميد نقاط ساخنة في العالم.

لبنان... والاحتمالات الخمسة 13/7/2006

إلى أي مدى تستطيع حكومة ايهود أولمرت مواصلة عدوانها على لبنان ردا على العملية الدفاعية النوعية التي نفذتها مقاومة حزب الله في الجنوب؟ هناك احتمالات كثيرة وكلها مرتبطة بالفضاءات الإقليمية التي تنتظر حصول «شيء ما» منذ شهور.

فما يحصل في غزة ليس بعيدا عن ما يحصل في جنوب لبنان. وهذه الاعتداءات هي من الأمور المحسوبة خصوصا بعد زيارة أولمرت إلى واشنطن وما جرى خلالها من لقاءات مع كبار المسئولين العسكريين في الولايات المتحدة.

الاحتمال الأول: أن تكون العملية «متدحرجة» بحسب وصف أحد المراقبين؛ أي أن تبدأ بسيطة ثم تتطور ميدانيا وتتوسع دائرتها الجغرافية لتطاول جوا عمق الأراضي اللبنانية.

هذا الاحتمال غير مستبعد، ولكنه أيضا يخضع لميزان ردود الفعل. فالضرب العسكري لن يكون من جهة واحدة وإنما يتوقع أن ترد المقاومة بضرب العمق الإسرائيلي أيضا. وهذا يعني أن حكومة أولمرت وضعت نفسها في دائرة مواجهة مفتوحة وضربات متبادلة.

الاحتمال الثاني: أن تعتمد حكومة أولمرت سياسة «القشرة»؛ أي تكتفي بالضرب على مواقع مدنية وعسكرية في مناطق «الشريط» الحدودي الذي يبدأ من ساحل الناقورة صور على البحر المتوسط ويمتد صعودا إلى مرتفعات شبعا وكفرشوبا وصولا إلى الجولان.

هذا الاحتمال غير مستبعد أيضا، بدوره يخضع لترجيحات مختلفة مثل قيام المقاومة بالرد الصاروخي على الشريط المقابل للحدود اللبنانية. كذلك يحتمل أن ترد المقاومة بتنظيم عمليات اختراق للخط الدولي «الأزرق» واقتحام مستوطنات ومستعمرات تقع على مقربة من الحدود.

الاحتمال الثالث: أن تكرر حكومة أولمرت سيناريو الاجتياح الجزئي كما حصل في مارس/ آذار 1978 بذريعة ملاحقة المقاومة والضغط عليها للإفراج عن الجنديين الإسرائيليين. وهذا الاحتمال غير مستبعد، ولكن تداعياته ستكون عنيفة باعتبار أن الظروف الداخلية التي كانت موجودة في العام 1978 تغيّرت وبالتالي فإن إمكانات المواجهة والصمود وتكبيد القوات المعتدية خسائر كبيرة ستكون من الأمور التي يجب أن تفكر بها كثيرا القيادة الإسرائيلية قبل الإقدام على هذه المغامرة. فالوصول إلى الزهراني والتقدّم باتجاه النبطية ومحاصرة بعض قرى منطقة العرقوب لم تعد من الأمور السهلة وتعتبر مكلفة عسكريا قياسا بما حصل في عدوان مارس 1978.

الاحتمال الرابع: أن تعيد حكومة أولمرت إنتاج سيناريو الاجتياح الشامل الذي وقع في يونيو/ حزيران 1982. وهذا الاحتمال مستبعد على رغم أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي هدد به في تصريح أطلقه أمس. فالاجتياح الكبير خطير للغاية وربما يدفع لبنان والمنطقة كلها إلى مواجهات إقليمية أقوى من تلك التي حصلت في العام 1982. ومثل هذا القرار النوعي سيقلب الطاولة وسيؤدي إلى تغيير قواعد اللعبة؛ لأن التقدّم العسكري في عمق الأراضي اللبنانية وصولا إلى بيروت والجبل والبقاع الغربي سيضع سورية في زاوية ضيّقة لا تستطيع السكوت عن نتائجها لأسباب استراتيجية ستعرض أمنها القومي للخطر وستقفل بوابات العبور الجغرافي بين دمشق والعاصمة اللبنانية.

الاحتمال الخامس، أن تكرر «إسرائيل» سيناريو غزة الذي باشرت تنفيذه منذ 19 يوما وهو يقوم على فكرة اختلاق أزمة (أسير إسرائيلي) واتخاذها ذريعة لضرب البنى التحتية (جسور، مستشفيات، محطات مياه وكهرباء) وشن غارات عشوائية وتنفيذ اجتياحات محدودة، وتعريض حياة المدنيين للخطر، والضغط على الداخل لتشكيل «نواة سياسية» تعطل على الحكومة قدرتها على التحرك بحرية واستقلال.

تكرار سيناريو غزة في لبنان هو المرجح في إطار قراءة المعطيات الدولية والإقليمية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1765 - الجمعة 06 يوليو 2007م الموافق 20 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً