العدد 1765 - الجمعة 06 يوليو 2007م الموافق 20 جمادى الآخرة 1428هـ

دجاج الدنيا و«مندي» الدين... خلطة الواعظ «المودرن»!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

الحديث المقرون بالإعجاب عن عظماء العالم والشخصيات البارزة التي صنعت التاريخ، وارتبط رنين أسمائها في الأسماع بعناوين النضال المدني والسلمي ضد الامبريالية والتمييز والتفرقة على أساس الهوية الإثنية، والذين ظل ولا يزال يعتبرهم العالم دعاة سلام عالمي وعلى رأسهم بلا شك المهاتما غاندي، قد لا يكفي وحده للدلالة أن معظم المعجبين بتلك الأيقونات النضالية العالمية من الممكن أن تتحقق أحلامهم وخيالاتهم يوما ما بالاصطفاف في ركب هؤلاء، أو أن يخلدهم التاريخ كما خلد ذكرهم المعطر بالمحبة والسلام والصمود طالما أراد هؤلاء المعجبون من المعجونة أنفسهم بأوهام الخيلاء والنرجسية!

فأمثال هؤلاء كثر ممن دأبوا على التكسب من اصطناع وجاهة ثقافية عالمية تتخذ من شعارات المحبة والتسامح والصفاء الحضاري نوافذ لها على الخارج الذي تصطفيه شاحنا كهربيا مثاليا لبطارياتها الشعاراتية والفكرية والمعيشية بمناسبة ومن دون مناسبة، مع جَلْد استبسالي للذات المأزومة والمكروهة!

ولكن للأسف فإن أمثال هذه الشخصيات الحمائمية بغنجها السياسي والفكري، والمفتونة بالغرب الإمبريالي والحضاري في وقت واحد، وهي فيما يبدو لم تعد تفرق بين نظارة شمسية «ديور» و»جينز ليفي» وعلبة «كولا» من جهة والمجلدات المعرفية الضخمة من جهة أخرى، وإن كانت تدعي إعجابها واحتفائها بشخصيات عالمية ذات أنوار نضالية مدنية كـ «غاندي» و»الأم تيريزا» و»مارتن لوثر كينغ»، فإنها تغفل الدور الاجتماعي الفاعل الذي لعبته رموز التحرر السلمي العالمية في مجتمعاتها، وما بذلته من تضحيات جسام في سبيل تمسكها بدعواها ومبادئها وإيمانها بقيم إنسانية راسخة لا تتزعزع مهما اختلف سير التيار، فهي لم تقتصر فقط على المباهاة بتحطيم المحرمات والخروج على المألوف كمسلك أوحد، فهذه المباهاة المتمردة هي عملية سلوكية فكرية وخلقية حمالة لأوجه عديدة قد يكون من بينها مراهقة طائشة وصبيانية فكرية مازالت غير ناضجة على رغم تقادم العمر، أو رغبة في حب الظهور والبروز والتمايز المتوهم لتساميه بخلاخيل فكرية مستجدة عن المجتمع وقلاقله وأغلاله، وليس بالضرورة يعني وجود نية صادقة للإصلاح والتغيير والتحديث من الداخل لم تثبت صدقيتها حتى الآن!

وإن كان يروى عن المهاتما غاندي أنه حينما هم بالركوب إلى إحدى القطارات سقطت منه إحدى فردتي نعله (أعزكم الله)، فقام إثر ذلك برمي فردة النعل الأخرى التي ظلت معه، ما دفع الراكبين للاستغراب من عجيب تصرفه الذي علله لهم برغبته في أن يجد أي سائر وعابر حافي القدمين على طقم نعل كامل يقي رجليه من أذى الطريق بدلا من «فردة» واحدة قد لا تجديه نفعا!

وهنا بلا شك دلالة على ما تتمتع به هذه الشخصية من حب وتفضيل وإيثار معنوي للمحيط العام على المحيط الخاص، فهي شخصية بحجم وطن وأمة، فهل سيقتدي أخونا الواعظ «المودرن» والذي يعلن إعجابه بأمثال هذه الشخصيات إذا ما سقطت من يده المدلدلة بالخارج ساعة «روليكس» ذهبية من دون قصد أثناء قيادته لسيارته الـ «إنفينيتي» على إحدى الطرقات البائسة على سبيل المثال، فيترفع ويتجاهل هذه الساعة الثمينة المرماة بالخارج عسى أن يجدها مواطن بحريني فقير يسدد بها قروضه ويلبي بها متطلبات أسرته المعيشية؟!

وإن اشتهر عن الأم «تيريزا» أنها بذلت معظم حياتها بالعيش وسط مجتمعات الفقر المدقع في الهند، لتخلط دعوتها ورسالتها التبشيرية بممارسة العمل الاجتماعي الخيري والتطوعي لمداواة جروح فقراء الهند وتطبيبها، فهل سيكون الواعظ «المودرن» على استعداد لترك العيش الرغيد والمرفه المدفوع ثمنه فتاتا من مال الشعب، عسى أن يغادر أجواء المنتجعات العالمية الساحرة لكونها غير مجدية ولا تحقق نفعاَ اجتماعيا يذكر، وأن يبتعد ولو قليلا عن طَرْق أبواب السفرات الأجنبية ولو لأسبوع واحد، حتى يجرب العيش وسط فقراء ومعدمي البحرين ويتحمل آلامهم ومعاناتهم ومشاركتهم في تحقيق آمالهم وتطلعاتهم، ويروج لأفكاره «التقدمية» والنهضوية بينهم فيخرجهم من أوحال الفقر المعيشي والفكري ويقيهم أعاصير الحاجة؟!

وإن كان داعية الحقوق المدنية الأميركي مارتن لوثر كينغ قد تعرض لحادثة طريفة ومحرجة حصلت له أثناء إلقائه إحدى خطاباته حينما قذف أحد الحضور ناحيته فردة حذاء، فطالبه «كينغ» بالفردة الأخرى للاستفادة من هذا الحذاء ومنحه للمحتاج، فنال إثر ذلك تصفيق الحاضرين وإعجابهم بحسن إدارته ورقي تعامله مع هذا الموقف المحرج، فهل الواعظ «المودرن» على استعداد أيضا لتلقي وابل النقد الجارح من الجماهير الغاضبة التي خرج منها ووصل على حساب قضاياها، أم سيكتفي فقط بنعتها بـ «الغوغاء» و»المتخلفين» ورفع الشكوى عليها؟!

فلأجل الإجابة عن هذه الأسئلة بشكل مقنع يجد صداه مجتمعيا لابد من أن يعالج هذا المعجب وضعه الحالي كورقة محروقة اجتماعيا وسياسيا ووظيفيا، وإن كان مازال يتمسك بقشتها الكاريزمية الظاهرية من قبل الأبواق الصحافية من دون جدوى نفعية واقتصادية حقيقية، فالحديث عن قيم ومبادئ وقناعات تقدمية لا يمكن أن يكون ذا جدوى وقيمة توعوية حقيقية طالما لم يجد له من حل للخروج بين حرج التعارض والتصادم مع قيم مجتمع لم يفلح في الانسجام معه، أو أن يكون له جسرا نحو حياة اجتماعية وسياسية تقدمية أخرى، فمن دون القيمة الاجتماعية الموزونة تلك لا تكتسب للدعوة والدعاية أي حجم وقيمة بعدية!

هذا إن لم يكن صاحب هذه الدعوة والدعاية قد فشل أصلا في ترويض نرجسية ذاته المتخيلة والمؤهلة بالانصياع السيّال وراء سيول اللذائذ والمغريات المادية والمتغيرات المعيشية التي وفيما يبدو قد غزت أسلوبه التعبيري والكتابي سابقا لتخرج لنا مصطلحات لذيذة على وزن «بقصم الأصالة» و»زبدة الحداثة» و»فستق الطائفية» و»كباب الديمقراطية»، وربما لم تخطر على بال أي «جرسون» و»شيف»، فمثل هذه الشخصية تتصادم بلا شك مع ما تفترضه شخصية الواعظ من تحبيذ للتقشف والزهد واستقباح الدنيا بمغرياتها الاستهلاكية المضلة، حتى وإن كان واعظنا هو شخص وسيم و»مودرن» ذو خلطة سحرية تجمع دجاج الدنيا و»مندي» الدين في صحن ولذاذة واحد، وبينها «قفشات» الفكر والسياسة والثقافة المستهلكة!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1765 - الجمعة 06 يوليو 2007م الموافق 20 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً