لم يكن منفّذو هجمات سبتمبر/ أيلول 2001 يعلمون بما ستسببه غزوتا واشنطن ونيويورك من زلزالٍ كبير سيهز العالم كله، والعالم الإسلامي خصوصا. كما لم يخطر ببال الشقيقين عبد العزيز وعبد الرشيد غازي أن الغزوتين ستحدثان ارتدادا بعد ست سنوات على المسجد الأحمر الذي يخلفان أباهما على رعايته، فهما من تلك «الطبقة» التي حظيت برعاية المخابرات الباكستانية أثناء مقاومة الاحتلال السوفياتي لأفغانستان نهاية السبعينات، وبعدها عملت على دعم حركة «طالبان» للوصول إلى السلطة.
المسجد الذي كان يستقطب الجماهير ويوجهها ضد المحتل السوفياتي، أصبح بعد الغزوتين يستقطب الجماهير ويوجهها ضد المحتل الاميركي/الأطلسي، فقد غيّرت هجمات سبتمبر كل القناعات والمعادلات، حتى أصبح الجيش الباكستاني من أهم «الأدوات» المستخدمة في الحرب ضد طالبان وضيوفها من أعضاء القاعدة اللاجئين في المناطق القبلية.
التوتر بين الجانبين بدأ يظهر في الأشهر الأخيرة، بعد خطف مدنيين صينيين وباكستانيين، والتهديد بعمليات انتحارية، في تحدٍ لسلطة برويز مشرف، بلغت ذروتها في أعمال العنف الأخيرة. وعلى هذه الخلفية جاء حصار المسجد الأحمر وتطويقه بمئات من عناصر الأمن، والمصادمات الدامية التي أوقعت 16 قتيلا، ثم التهديد بإطلاق النار ما دفع إلى استسلام 1200 شخص، مقابل حصول كل منهم على خمسة آلاف روبية (84 دولارا) بإيعاز من فخامة الرئيس كما أشاعت السلطات، بينما قال وزير الشئون الدينية الباكستاني أن 30 «إرهابيا» مسلحا يمنعون البقية من مغادرته.
التطور الدرامي حدث على محورين: المحور الأول توقيف زعيم المسجد عبد العزيز غازي الذي ظهر على شاشة التلفزيون الباكستاني مساء الأربعاء. وبعد رفع النقاب عن وجهه رأى الناس عمامة بيضاء ووجه رجلٍ ملتحٍ. ولكنه أعلن أن 250 رجلا و800 امرأة لا يزالون في الداخل وبحوزتهم أسلحة وبنادق نصف آلية.
ضابط في الأمن كشف أن اعتقال «الزعيم» تم أثناء محاولته الهرب متنكرا بلباس امرأة وسط مجموعة من النساء. أما طريقة كشفه فلم تحتج إلى كلاب بوليسية أو استخدام أشعة ليزر، إنما لطريقة المشي التي لاحظها رجال المخابرات، فـ «المرأة الأخيرة» تختلف مشيتها عن بقية النساء السبع، وقد بدت «أطول منهن وذات بطن منتفخ» كما قالت التقارير.
بعد الاعتقال، دعا مولانا أنصاره المتحصنين إلى الاستسلام، قائلا: «تبيّن لي أن الحصار محكم وعلينا الاستسلام، وأقول لهم ألاّ يضحوا بأنفسهم من أجلي»، وهي مسألةٌ تحسب له، فلو كان قائدا عربيا لأصرّ على جنوده بالقتال حتى آخر قطرة دم... ليفدوه بالروح والدم!
التطور الدراماتيكي الثاني، فهو أن شقيقه ومساعده عبد الرشيد المتحصن في الداخل رفض الاستسلام، وقال في مقابلةٍ مع محطة تلفزيون خاصة: «لماذا نلقي السلاح؟ لسنا إرهابيين»، وأعلن استعداده للاستسلام شرط «ألا يهاجموننا أو ينفذوا عملية ضدنا»، نافيا أن يؤثر استسلام أخيه من دون مقاومة على نفسيات الأنصار رجالا ونساء. فيماصعّدت قوات الأمن ضغوطها صباح أمس بتفجير قنابل تحذيرية في محيط المسجد، واستخدام مدرعة لتدمير المدخل الرئيسي.
الزعيم الذي فضّل الهرب من المسجد، أشاد بالمدرسات الصامدات بعدما شاورن طالباتهن للبقاء وشجعنهن على الجهاد «لأنه وقت التضحية» فلم يكن متوقعا أن ينجح من فشل في تقليد مشية النساء، أن ينجح في تقليد نموذجهن في التضحية والفداء!
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1764 - الخميس 05 يوليو 2007م الموافق 19 جمادى الآخرة 1428هـ