يحبط عمل الدكتور والباحث والكاتب والمهندس والفني، وأي مواطن آخر إن تلحّف برداء الطائفية. وظاهرة طأفنة السلوكيات غير المرضي عنها، كثيرة، من شواهدها: إذا سقط شيعي بسبب «زلقة» قشر موز فيجب أن نبحث عمن رمى قشر الموز، إذ المؤكد أنه سني! وإذا انقطعت الكهرباء عن مجمع سني فالمؤكد أن من قام بإحراق «الفيوزات والوايرات» هو شيعي! وعلى هذا يتم قياس جميع مشكلاتنا السياسية والاجتماعية.
وقبل أيام قليلة اتصل بي أحد المواطنين، ليبث شكواه عن تصرف أحد نواطير إدارة حكومية، غفير وليس وزيرا، إذ قام الناطور بمنع المواطن من تجاوز القانون. وبما أن هذا المواطن مسكون بهاجس النغمة المتزايدة هذه الأيام، نغمة الطائفية، فإنه قد فسر سلوك «الناطور» بأنه سلوك طائفي! يا سلام، تريد أن تتجاوز القانون وحينما يمنعونك من ذلك تقول: إن هذا سلوك طائفي! عشنا و«ياما حنشوف»!
وهذا التفسير ذكرني بزميل لنا يكتب في الصحافة المحلية، ويجهد أيما جهد من أجل إلزام الآخر، المختلف معه مذهبيا، بكل الجرائم التي وقعت أو التي ستقع في المستقبل على رأسه ورأس طائفته! ويقوم من أجل ذلك بالتتبع التاريخي لشتات طائفة وجحيم آخر، وكلها طبعا صحيحة تاريخيا، ولكن خلافنا على مسألة توظيفها الطائفي، والذي يجهد «أخونا» في ترسيخها، وكأنه يريد أن يحمل تبعات ما جرى في الماضي أبناء الجيل الحالي! ولو أنه اجتهد من أجل ترسيخ الوعي بالمواطنة، ومفاهيم حقوق الإنسان لكان أجدى نفعا للمجتمع من اجترار كوارث ونكبات ليس للجيل الحالي سبب في حدوثها.
بل، وحتى الحوادث التي جرت في الماضي، هناك من يتجاهل الكثير من العوامل الاجتماعية والقيم السائدة في حينها، أي المساق العام، ويقفز إلى نتائج تتمحور حول الطأفنة والتمييز والإقصاء والقتل والتدمير والتهجير! متجاهلا ما كان قد حدث لأبناء الطوائف الأخرى، من ضيم وظلم وهدر للحقوق والكرامة الإنسانية، إلى الحد الذي لا تقبل شهادة أحدهم في المحاكم! ولسنا في وارد طرح المسائل بشكل أكثر وضوحا؛ لكيلا نقع فيما نحذر منه!
السؤال الذي يطرح نفسه بين سطور تلك الأطروحات: ما هي الفائدة والمنفعة المتحصلة (وطنيا) للمجتمع البحريني؟ أنا هنا أتحدث عن المصلحة العامة للمجتمع البحريني، عن الاستقرار الاجتماعي والهدوء الأهلي العام، والسكينة الطوائفية في المجتمع، والتي عاش تحت ظلها آباؤنا وأجدادنا أعواما طويلة.
اعتقد بأن العذر مقبول للإنسان العادي حينما يقوم بتفسير الظواهر الاجتماعية والأحداث والتطورات السياسية بأنها فعل طائفي، أو سلوك تمييزي ضده، إلا أنه من غير المقبول أن يقوم الأكاديمي والمثقف باجترار ما يدندن به رجل الشارع، والأخطر أن يقوم بوضع المساقات الاجتماعية التجزيئية، والسياقات التاريخية الوثائقية ليؤكد هذا المنطق التجزيئي التفتيتي الطائفي اللاوطني ويشيعه بين الناس ويرسخه كقناعة دامغة في أدمغة الناس! ويقوم بذلك من خلال التأصيل الأكاديمي؛ لكي يقال بعد ذلك: بأن هذا التفسير يستند إلى دراسة، وذاك السلوك يتكئ على رأي علمي... مع أن الدراسة والرأي العلمي الأكاديمي يتطلبان البحث بموضوعية وحياد في كل الظواهر الاجتماعية والتطورات السياسية، وليس على حوادث محددة ومبتورة من سياقها العام! كما يتطلب الرأي العلمي والبحث الأكاديمي قول الحق، وليس قول ما يطلبه المشاهدون أو المتابعون أو المطئفنون!
قيام المثقف والأكاديمي بجهد طأفنة القضايا والمعضلات غير مفهوم وغير مبرر ألبتة. وهو يهدم ما يرنو إليه كل من يطالب بدولة القانون والمؤسسات والمواطنة البحرينية الخالصة... فارحمونا ولا تمحوا ما نكتب من مبادئ وقيم وطنية سامية نحاول ترسيخها في الوطن، ولا تهدموا ما تعبنا وأرهقنا أذهاننا وعقولنا وسخرنا جميع طاقاتنا من أجل بنيانه وترسيخه في المجتمع البحريني. وكفاكم طائفية!
إقرأ أيضا لـ "محمد العثمان"العدد 1763 - الأربعاء 04 يوليو 2007م الموافق 18 جمادى الآخرة 1428هـ