خليج توبلي الذي كان يضرب موجه توبلي غربا، والبلاد القديم شمالا، وجزيرة سترة شرقا، وشواطئ سند جنوبا، ليس من ضروب المبالغة أبدا الحديث عن هذا الخليج كان الثروة التي يفوق مردودها قطرات مياه البحر الصافية التي تغمره بلونها الأزرق، إذ كانت تحيط به البساتين الخضراء من جهاته الأربع، وكانت جزيرة النبيه صالح تتوسطه كدرة بيضاء تضاهي أجمل جزر شرق آسيا التي يشد السائحون لها الرحال من مختلف أقطار الأرض.
من عهد قريب جدا، في سبعينات القرن الماضي، كانت مياه هذا الخليج الصافية الزرقاء تضرب سواحل البلاد القديم عند موقع محطة عين عذاري للوقود تحديدا، وكانت هذه المياه المرعى الأهم للروبيان، إذ إن قصص الآباء عن صيد الروبيان من مياه هذا الخليج بالنسبة الى سامعها في هذه السنوات لا تعدو خرافة لا يستوعبها العقل لسوء ما حل بهذا الخليج من كوارث بيئية، ومن بين ما يقصون أنهم كانوا يصطادون الروبيان بمجرد الدخول مشيا على الأقدام على حافة الخليج وكانوا في وقت قياسي يملأون مئات «المراحل» التي كانت تستخدم كأوعية للصيد.
خلال ثلاثين سنة مضت شرب هذا الخليج من الدفان، ومياه الصرف الصحي، والمخلفات، ما حوّل أجزاء منه إلى مستنقعات عفنة ينفر من روائحها كل من يتجول على أطلاله البائسة التي كلما تألمت زادها المتجاوزون وجعا، بعد أن كانت تلك المياه مصدرا لعبق البحر الذي تغطي حوافه أشجار القرم، ونخيل الخلاص والمرزبان.
ما يحدث لخليج توبلي يشرد بذهني إلى قصيدة كتبها الشيخ جعفر بن محمد الخطي قبل أكثر من 400 سنة عرفت بقصيدة «السبيطية»، وكان يروي فيها ما حدث له مع سمكة سبيطية في خليج توبلي، عندما قفزت عليه من البحر وأراقت دماء يديه إذ يقول في مطلعها:
برغم المعالي والمهندة البتر
دماء أراقتها سبيطية البحر
ألا ما جنى بحر البلاد وتوبَلي
علي بما ضاقت به ساحة البر
فإذا كان الخطي يشتكي من فعلة «سبيطية» كانت تقفز على مياه خليج توبلي وجرحت يده، ساردا في قصيدته الجميلة الجناية التي جناها عليه «بحر البلاد وتوبلي» فهل له أن يلقي بنظرة واحدة على هذا البحر ليرمق بعينه ما جنى الجناة على «بحر البلاد وتوبلي» ليكتب قصيدة أخرى تفضح جريمة انتهاك هذا الخليج؟
إقرأ أيضا لـ "عقيل ميرزا"العدد 1762 - الثلثاء 03 يوليو 2007م الموافق 17 جمادى الآخرة 1428هـ