يقع مطار بغداد الدولي في أطراف العاصمة العراقية من جهة الشمال الغربي، ويرتبط بأحياء العاصمة بطريق واحدة فقط يمتد لمسافة 15 كيلومترا تقريبا، محاط بمناطق اشتهرت بعملياتها المسلحة ابتداء من العامرية وحي الجهاد وصولا إلى حي العامل واليرموك وغيرها من المناطق الساخنة التي طالما تداولتها وسائل الإعلام ، وتتفرع من «شارع المطار» هذه شوارع استراتيجية عدة تصل إلى المحافظات العراقية كافة، لكن أهمها وأخطرها حاليا هو المؤدي إلى المنطقة الخضراء التي كانت في السابق مقرا لرئاسة الجمهورية أو القصر الجمهوري.
لحظة الخروج من مبنى المسافرين تصدمك مشاهد ثكنات عسكرية بينها عراقية وأخرى (الحيوية منها) أميركية وكأنك في ساحة حرب بل هي كذلك، كما تشدك كثرة السيارات ذات الدفع الرباعي يقودها موظفون من شركات أمنية لتأمين وصول المسئولين الأميركيين إلى داخل العاصمة، لكن مع كثرة هذه السيارات قد ترى سيارات أخرى من النوع نفسه لكن كتب عليها باللغة العربية وبشكل واضح أن هذه السيارات ليست للأميركان في محاولة لتفادي هجمات المسلحين المتخصصين باستهداف القوات المحتلة، ومن بين أكثر هذه السيارات هي التي تعود لسفارات الدول خصوصا تلك التي نأت بنفسها عن التورّط في غزو العراق مثل: فرنسا أو روسيا أو غيرهما.
قبل أن تخرج سيارات الدفع الرباعي ترى أنها تقف عدة مرات لتغيير أماكن المسئولين بين رتل السيارات ربما للتمويه على الموظفين العراقيين الموجودين في المطار من الذين قد يكونون عيونا للجماعات المسلحة.
ومع لحظة الخروج من آخر نقطة تفتيش ينطلق سواق الأجرة بسرعة جنونية خوفا من خطرين أحدهما المسلحون الذين يستهدفون الخارجين من المطار وهم غالبا قنّاصة يتخفون فوق أسطح البنايات المطلة على «شارع المطار» بعد أن تجردوا من وسيلة اختباء مهمة عندما أحرق الأميركان الأشجار الباسقة ومنها النخيل التي كانت تظلل جانبي الشارع، والخطر الآخر هو ما أصبح يعرف عراقيا بـ»العلاسة» (والعلس في اللهجة العراقية الدارجة مضغ الشيء ثم رميه بصقا وهو من المصطلحات المستحدثة في العراق) وتطلق على من «يبيع» لعصابات الجريمة المنظمة معلومات عن أشخاص مهمين وأرقام السيارات «المتميزة» الخارجة من مبنى المطار لاختطاف مَنْ فيها وللحصول على فدية.
نادرا ما تجد شارعا في بغداد لم تحفره عبوة ناسفة، وأشكال التفخيخ في العراق مختلفة، بعضها مألوف في حرب العصابات وأخرى «عراقية» بامتياز، منها ما يستخدم جثث الحيوانات وسيلة لإخفاء المتفجرات، أو استخدام كثافة الأشجار أو وضع العبوات وسط الأنقاض في الشوارع العامة. أما في الشوارع المكتضة «فأفضل وسائل التفخيخ» توضع داخل السيارات.
وهكذا تحوّل طريق مطار بغداد، أحد أكثر الشوارع انتظاما وجمالا إلى شارع للموت لا يكفي معه حبس الأنفاس مرة أو تمتمة بما تيسّر لك من الذكر الحكيم مرة أخرى فسالكه وبكل بساطة مشروع موت ولسان حاله يقول: مكره أخاك لا بطل.
إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"العدد 1761 - الإثنين 02 يوليو 2007م الموافق 16 جمادى الآخرة 1428هـ