من نافلة القول إن الإنسان لا يشعر بالأمن النفسي والاستقرار لا هو ولا أسرته إلا عندما يجد مسكنا لائقا يضمه مع أسرته، ومن نافلة القول - أيضا - إن مَنْ يطلق عليهم «ذوو الدخل المحدود» ينفقون الجزء الأكبر من دخلهم في دفع أجرة منازلهم وهذا من دون شك يؤثر سلبا على مجمل حياتهم وعلى طريقة معيشة أسرهم.
ومن أجل ذلك كانت فكرة إقامة منازل للمواطنين الذين لا يستطيعون فعل ذلك لقلة مواردهم أمرا في غاية الأهمية، سواء أكانت هذه المنازل من الدولة أم من محسنين آخرين أدركوا شرف هذا العمل وأهميته فقاموا بعمل ما يقدرون عليه من أجل تحقيق هذا الهدف النبيل.
في المملكة العربية السعودية تحققت خطوات جيدة في هذا السبيل من الدولة ومن سواها.
خصصت الدولة صندوقا للتنمية العقارية مهمته إقراض المواطنين، كل منهم ثلاثمئة ألف ريال تسدد على مدى خمسة وعشرين عاما وبخصم مقداره عشرون في المئة لمن ينتظم بالسداد.
هذا الصندوق الذي يبلغ عمره نحو خمسة وثلاثين عاما مازال يمارس دوره وإن لم يكن بالقدرة نفسها التي بدأها، ومع هذا فقد ساهم بصورة فاعلة في تحقيق الأمن الذي ينشده المواطن بتحقيق سكن مناسب له.
الدولة السعودية - أيضا - تعطي المواطنين أراضٍ سكنية من دون مقابل ليقيموا عليها مساكنهم، صحيح أن هناك تأخيرا شديدا في تسليم هذه الأراضي إلى أصحابها لكن هذه الخطوة حققت تسهيلات لا تنكر للمواطنين ليقيموا مساكنهم عليها.
وفي الإطار غير الحكومي - أو الأهلي - نجد أن الأمير سلمان - أمير الرياض - له جهود واضحة في إقامة مساكن للمحتاجين في مدينة الرياض وخارجها.
وقد بدأ الأمير سلمان مشروعاته الإسكانية منذ العام 1423هـ ومازالت هذه المشروعات تسير قدما حتى الآن ونرجو لها الاستمرار لكي تحقق كل أهدافها.
المشروعات الإسكانية التي تبناها الأمير سلمان أراد لها أن تحقق أهدافا متعددة لساكنيها كما أراد لها الاستمرار من خلال إيجاد تمويل ذاتي لها كي يكتب لها الاستمرار وفي حالة طيبة.
وعندما أتحدث عن هذه التجربة المميزة فإني أتطلع إلى تحقيقها في بلدنا الثاني البحرين لكي يستفيد منها ذوو الحاجات وما أكثرهم.
لقد تم اعتماد عدد من البرامج التدريبية لساكني هذه المجمعات بهدف إخراجهم من حالة العوز والحاجة إلى حالة الاكتفاء والاعتماد على النفس، إذ ليس من مصلحة هؤلاء أن يبقى اعتمادهم في تلبية احتياجاتهم على الآخرين، ومن أجل ذلك فقد كان من أهداف المشروع تدريب 750 شخصا من الجنسين في مجالات الحاسب الآلي واللغة الإنجليزية وبعد ذلك يتم توظيفهم ليكونوا أشخاصا منتجين في مجتمعهم.
وتم اعتماد بعض القروض الميسّرة والمساعدات لبعض الأسر لكي تبدأ مشروعات صغيرة تساعدها على تنمية مواردها المالية لتصبّ هذه الموارد في تحسين الحياة المعيشية لتلك الأسر.
الوجه الآخر من هذه التجربة المميزة التي حققها الأمير سلمان والفريق الذي يساعده أنهم لم يغفلوا الجانب الثقافي لساكني هذه المجمعات فنظموا لهم عشرات الندوات العلمية والمحاضرات وكذلك حلقات تعليم القرآن الكريم وحفظه، والهدف أن يكون هؤلاء الساكنين على تواصل دائم مع الثقافة المتنوعة.
ولا أنسى هنا أن أشير إلى شيء مهم في هذه التجربة وهو حرص أصحابها على إيجاد مجموعة أوقاف يكون ريعها لصالح تلك المشروعات سواء في بناء مساكن جديدة أو صيانة المساكن القائمة.
أقول هذا العمل الخيري الذي تبناه أمير الرياض والعمل الحكومي الذي سبقه والذي لايزال مستمرا تجربة طيبة أعتقد أن إخواننا في البحرين بحاجة ماسة إلى مشروعات مماثلة، حكومية وشعبية.
حكومة البحرين لا يعجزها إعطاء المواطنين أراضي مناسبة ومن دون مقابل أو بمقابل رمزي، فالأرض موجودة والحاجة قائمة، وكذلك بإمكان الحكومة مساعدة المواطنين المحتاجين لإقامة مساكنهم عليها، بإمكان الحكومة إعطاء قروض ميسّرة ومن دون فوائد لمواطنيها، لأن المواطن إذا شعر بارتياح وأمن فإن عطاءه لبلده سيكون قويا وكبيرا.
من الضروري أن تقدم الدولة كل ما تستطيعه لمواطنيها لكي تنمي في نفوسهم المواطنة الحقيقية لأن المواطنة لا تتحقق بالكلام وحده بل الأفعال الطيّبة التي يلمسها المواطن هي التي تجعله مواطنا صالحا.
فهل نرى ما يحقق تلك المواطنة؟
إقرأ أيضا لـ "محمد علي الهرفي"العدد 1761 - الإثنين 02 يوليو 2007م الموافق 16 جمادى الآخرة 1428هـ