حسنا فعل مجلس الوزراء بقراره فتح الأجزاء المغلقة تحت جسر سترة ومعبر النويدرات، لضمان انسياب حركة المياه وتجدّدها في خليج توبلي، وتعيين شركة استشارية لتقويم الوضع البيئي بالخليج المنكوب، ومن ثم اقتراح التوصيات لمعالجته.
وحسنا فعل المجلس بتكليف اللجنة الوزارية للمرافق العامة بدراسة تقارير وتوصيات لجنة التحقيق البرلمانية السابقة... ومع ذلك تبقى تلك القرارات هي أضعف الإيمان. ونخشى أن تكون كلها خطوات متأخرة، ونخشى أكثر أن تكون ذرا للرماد في العيون، لتضييع الوقت وتمييع القضية، ما يستوجب يقظة الرأي العام والبيئيين والصحافة الوطنية المسئولة التي أخذت على عاتقها شرف الدفاع عن مصالح الوطن العليا.
قضية خليج توبلي ربما لم تكن لتُطرح لولا نفوق الأسماك بكمياتٍ كبيرةٍ قبل أسابيع على سواحل النبيه صالح وسند وجرداب، ما فتح الأعين على وجود كارثة حاول بعض المسئولين البيروقراطيين التهرّب من مسئوليتها بتسويق تبريرات سخيفة، باتهام درجة الحرارة تارة، وتارة بانقطاع الكهرباء عن أحد البحارة! في وقت كان الواجب الوطني يستدعي كشف الحقائق للرأي العام وليس التستر على المافيات العدوة للبيئة... ولكن لا حياء لمن تنادي!
وضع الخليج الآن كارثي، ولنتكلم بصراحة: هذه المقترحات لن تنقذه، خصوصا إذا تولّت لجانٌ ضعيفةٌ متابعة الموضوع، كما جرى مع خبر صفقة بيع «فشت الجارم»، إذ خرج علينا رئيس لجنة التحقيق خميس الرميحي قبل يومين قائلا: «شاهدنا الجزر على طبيعتها ولم نتمكّن من رصد أية مظاهر لبيعها»، وكأنه ينتظر مشاهدة يافطات البيع في جزيرة «الجادوم»، لا أن تباع وراء ظهر الشعب وتحوّل المبالغ إلى المصارف الأجنبية!
خليج توبلي يحتضر الآن، ولن تنقذه إلاّ خطة إنقاذ وطنية تستنفر فيها جميع إمكانات الوزارات والمؤسسات المعنية، وبدرجةٍ عاليةٍ من الإحساس بالمسئولية. والحل ليس سهلا، فهناك عددٌ من مصانع غسل الرمال تلقي بأثفالها في الخليج؛ وهناك الردم المتواصل باستخدام الأوساخ ومخلفات البناء؛ والطامة الكبرى ما تلقيه محطة توبلي من مخلفات المجاري بهذه الكميات الهائلة (85 ألف متر مكعب يوميا)، ما حوّله إلى مرحاض كبير (مكرّمٌ القارئ).
محطة توبلي نفسها تبعث على القلق أيضا، فلو انهارت أو توقّفت فجأة لسبب أو لآخر، فستكون البحرين أمام كارثةٍ صحيةٍ شاملة، خصوصا القرى المحيطة بالخليج (أم الحصم، الزنج، البلاد القديم، عذاري، توبلي، جدعلي، جرداب، سند، العكر والنويدرات والنبيه صالح) فضلا عن المناطق السكنية الجديدة، فماذا تتصوّرون سيكون الوضع؟ المؤكد أن أحدا لم يفكّر بذلك حتى الآن، فنحن ننتظر الكارثة ثم نبحث عن كبش فداء كما حدث مع وزارة الكهرباء!
الجانب الآخر، الوضع الإنساني لسكان المنطقة، فكل من زار الخليج نهارا تساءل كيف يتحمل أصحاب البيوت والفلل كل هذه الروائح، وخصوصا عندما ينتصف الليل وتتأجج أكثر مع ازدياد ضخّ مياه المجاري في الخليج. بالمقابل هناك منتفعون كثر من قتل الخليج، يتمنون الإجهاز عليه سريعا لتصدر شهادة الوفاة. والمافياويون الجشعون ينتظرون تفاقم حرب التلويث، حتى ينقلب مطلب إنقاذ الخليج إلى مطلب أهلي بدفنه، حينها سترسم الخرائط وتوزع أشلاؤه إلى قسائم سكنية وتجارية واستثمارية تعرض في المزاد. مزادات لم يكن افتتاحها في الجارم ولن يكون ختامها في خليج توبلي... وسرعان ما تبدي لك الأيام ما كنت جاهلا عن وطنٍ طال عرضه في المزاد.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1761 - الإثنين 02 يوليو 2007م الموافق 16 جمادى الآخرة 1428هـ