العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ

قمة واشنطن الاقتصادية و «الشراكة» الدولية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

تعقد القمة الاقتصادية في واشنطن اليوم وسط متغيرات أميركية ودولية يرجح أن تنعكس تفاعلاتها على الملفات الإقليمية في دائرة «الشرق الأوسط الكبير». فالقمة التي دعا إليها الرئيس جورج بوش زعيم 20 دولة في العالم لحضورها ستناقش أزمة الأسواق المالية التي اجتاحت بورصات العواصم في أوروبا وآسيا وأدت إلى انهيارات في المصارف وأسهم الشركات. والنقاش لن يقتصر على توصيف الأزمة والعوامل التي ساهمت في توليدها وإنما ستحاول البحث في السبل الكفيلة باستيعاب تداعياتها ومنع استمرار انفلاشها الذي يهدد مصالح الطبقات الوسطى وشركات التأمين والضمانات العقارية.

البحث في أزمة المال قد يشكل مناسبة لإعادة قراءة العلاقات الدولية التي تعرضت بدورها إلى اختناقات سياسية بسبب السلوك الذي اعتمدته إدارة بوش في السنوات الماضية. مسألة المال لا يمكن فصلها عن توازن المصالح الدولية ودور القوى الإقليمية وحقها في المشاركة في إدارة الأزمات السياسية. وهذه الناحية المستجدة ستلعب دورها في إعادة تقييم الاستراتيجية الأميركية وما أنتجته طبيعتها الهجومية من كوارث أدت إلى تقويض دول وزعزعة استقرار وتعريض الجماعات الأهلية إلى مخاطر أمنية وحياتية.

هذا الربط المحتمل بين السياسة والاقتصاد يعزز من فرص عودة الولايات المتحدة إلى مفهوم الشراكة الدولية من خلال الاعتراف بوجود قوى كبرى تمتلك قدرات على المساعدة وعندها رغبة في التعاون ولها مصلحة في ضبط الاستقرار ما يعني أنها تريد المشاركة في صنع القرار لضمان مصالحها وحقوقها وسيادتها. فهل الولايات المتحدة باتت جاهزة نفسيا لتقديم هذا التنازل والاعتراف بالقوى الأخرى بصفتها تمثل ذاك الشريك الإقليمي الذي لا غنى عنه لضمان الاستقرار النقدي - السياسي في العالم؟

الظاهر من الصورة يشير إلى وجود نوع من التحولات أخذت تترسم معالمها في العاصمة الأميركية. فهذه الإدارة قاب قوسين من المغادرة وهي أصبحت قبل أسابيع من توديع البيت الأبيض في موقع ضعيف لا تستطيع التحرك من دون أخذ رأي القوى الفائزة في الانتخابات الرئاسية والتشريعية. وبسبب النتائج السياسية المضادة للحزب الجمهوري بات من الصعب على الرئيس الحالي إهمال دور الرئيس المنتخب والاستراتيجية التي يعتزم اعتمادها في السنوات الأربع المقبلة. فالحزب الديمقراطي تحول بحكم التقاليد الأميركية إلى شريك في السلطة قبل أن يتسلم مهمات الإدارة. وهذه الشراكة الحزبية في صنع القرار تخفف كثيرا من تطرف بوش في التعامل مع الملفات الدولية والإقليمية الساخنة والباردة.

الشراكة الحزبية الثنائية في داخل الولايات المتحدة تفتح الطريق أمام تطوير مفهوم الشراكة الدولية في إدارة الملفات. الاتحاد الأوروبي الذي أبدى مرارا انزعاجه من انفراد واشنطن في اتخاذ القرارات أبدى استعداده للمساعدة في الأزمة المالية مقابل تنازلات لابد أن يأخذها البيت الأبيض تحد من توحش نظرية السوق وتعطي صلاحيات قانونية لتدخل الدولة في سياسة التنظيم والتنسيق والإشراف والمراقبة. روسيا الاتحادية التي أظهرت غضبها مرارا من التعديات الأميركية على مجالها الحيوي وجغرافيتها السياسية وحدائقها الخلفية ما عرض أمنها الاستراتيجي للاهتزاز وأدخلتها في مواجهات كان بالإمكان تجنب حصولها تبدي استعدادها للتعاون بشرط أن تقدم واشنطن تلك التراجعات المطلوبة لضمان توازن المصالح. الصين أيضا التي تضررت كثيرا من الأزمة المالية وتتخوف من أن تتعرض الأسواق الدولية إلى موجه كساد تؤثر على تصريف منتوجاتها تبدو مستعدة للتعاون تحت سقف من الشروط التي تحد من نسبة الدور الأميركي ونزوع واشنطن الدائم للتفرد وعدم أخذ رأي الشركاء في السياسات الدولية والإقليمية.

الشراكة

«الشراكة» تبدو هي العنوان المشترك للدخول إلى معالجة الأزمة المالية. فالحزب الديمقراطي في الولايات المتحدة يطالب بالشراكة لضبط إيقاع الأزمة ومنع انفلاشها الداخلي حتى لا تزعزع الصناعات المدنية (السيارات تحديدا) وما يتفرع منها من قطاعات منتجة. وأوروبا تطالب بالشراكة لوقف التدهور وإعادة السيطرة على أسواق البورصة وإدخال «الدولة» في شبكة الأمان الاقتصادية لضمان حقوق المودعين والحد من البطالة. وروسيا تطالب بالشراكة لمنع تمدد الحلف الأطلسي (الناتو) إلى حدودها وتهديد أمنها في مناطق تزعزع استقرارها الاقتصادي القائم على الانفتاح والتبادل. والصين أيضا تطالب بالشراكة لكونها تعتبر الآن الصديق المالي للولايات المتحدة وتساهم دائما في تأمين السيولة النقدية للموازنة الأميركية وهذا ما يتطلب من واشنطن بعض الاعتراف بدور بجين في صنع القرارات وتحديدا تلك التي تتصل بأمنها القومي ومجالها الحيوي في شرق آسيا وجنوبها.

مسألة «الشراكة» باتت مطلبا دوليا ولم تعد تقتصر على الداخل الأميركي. فهناك رزمة من «الشراكات» أخذت تضغط على إدارة بوش وهي في مجموعها تشكل نقطة تقاطع للمصالح المشتركة على المستويين السياسي والاقتصادي. فالولايات المتحدة التي اكتشفت أهمية «الشراكة» متأخرة ودعت زعماء 20 دولة للمساهمة في حل أزمة كان بالإمكان تجنب الوقوع بها لو اتبعت أميركا سياسة عاقلة في التعامل مع العواصم الدولية والإقليمية ولم تتغافل مخاطر ترك آليات السوق تفعل فعلها من دون رقابة وتوجيه. فالأزمة في أساسها أميركية ولكن نتائجها السلبية ضربت أسواق العالم وهددت عشرات البورصات بالانهيار أو الإقفال المؤقت. وحين تكتشف أميركا الكارثة متأخرة وتطالب دول العالم بالمساعدة على حلها فمعنى ذلك أن إدارة بوش قررت التخلي عن سياسة تعاند العالم وتعترض على القوى الدولية والإقليمية بالمشاركة في صنع القرارات.

المساعدة المالية لابد لها من ثمن سياسي. والشراكة الدولية في حل أزمة الأسواق والبورصات لا يمكن عزلها عن حق الدول المطلوب منها المساعدة أن تطالب بدورها في اتخاذ خطوات أميركية تعدل من سياساتها المالية وتخفف من شراستها السياسية في التعامل مع القضايا الدولية والإقليمية. وهذا النوع من تبادل المصالح يفترض من الدول العربية والإسلامية المشاركة في قمة واشنطن الاقتصادية أن تتحرك لتحسين شروط التعامل الأميركي مع القضايا المركزية التي تشكل محاور ساخنة وتؤثر سلبا على استقرار المنطقة وأمنها الاستراتيجي وتوازنها الإقليمي وتهدد طموحها في تحقيق النمو وضمان التقدم وحماية الحقوق الاقتصادية والسياسية من الانهيار.

هناك فرصة للدول العربية أن تتقدم خطوات باتجاه أخذ موقع الشريك الإقليمي في ضمان الاستقرار وضبط الأمن واستعادة الحقوق المكفولة في القرارات الدولية. ومثل هذه الفرصة قد لا تتكرر دائما وخصوصا أنها جاءت في لحظة تشهد فيها الولايات المتحدة متغيرات داخلية ساهمت في تنشيط قناعة تؤكد أهمية الدور العربي - الإسلامي في المساعدة على حل أزمة الأسواق المالية. وهذا الاعتراف بالموقع النقدي يفتح بالضرورة المجال لتطوير الدور السياسي ودخول الدول العربية في إطار الشريك الإقليمي الذي لا غنى عنه للمساعدة في تفكيك الملفات الباردة والساخنة في دائرة «الشرق الأوسط الكبير».

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً