عن طريق إعلان مدفوع الأجر من قبل شركة شيفرون الأميركية في الصحف الغربية تحدثت هذه الشركة الضخمة و بشفافية عن استهلاك ترليون برميل من النفط الخام بواسطة العرق البشري خلال 150 سنة الماضية ومن ثم توقعت هذه الشركة الكبرى أن يتم استهلاك الترليون الثاني خلال مدة زمنية قد لاتتعدى الثلاثين سنة القادمة.
استهلاك هذه الكميات الهائلة من النفط الخام بسبب الأنشطة البشرية وخلال مدة تقدر بـ 20 في المئة من الفترة السابقة لابد أن يدق أجراس الخطر للحضارة الإنسانية الحديثة. لذلك وفي محاولة لاستقراء المستقبل، كتب الرئيس التنفيذي لشيفرون رسالة واضحة للقارئ العادي قد تحمل بين خطوطها العريضة مفاتيح الإدراك للإشكالية الحالية لصناع القرار في حقول السياسة والاقتصاد والطاقة للتخطيط للمراحل المقبلة من التطور للمجتمعات البشرية والحفاظ على أمن الطاقة.
«عصر استخراج البترول السهل ولى من غير رجعة» هذه الجملة تم تكرارها من أفواه العديد من حكماء الطاقة وهذا إقرار مباشر منهم بصعوبة مهمة تلك الشركات العالمية والشركات المؤممة في الدول النفطية على استخراج النفط الخام. فالمسألة ليست باكتشاف كميات جديدة وضخمة من الهيدروكربونات بل المسألة هي القيمة المالية الهائلة والتي تقدر بعشرات المليارات من العملات الصعبة للحصول على الاستثمارات التكنولوجية المناسبة لاستخراج النفط من مكامنها الصعبة كاكتشاف حقل في خليج المكسيك بعمق 5 كيلوات متر تحت سطح البحر في العام 2006 ومعرفة أن من الضروري أنْ يتجاوز قيمة النفط الخام سعر 65 دولارا لتربح الشركات العالمية من استثماراتها المباشرة لاستخراج النفط من الرمال القطرانية في كندا.
الانخفاض الحالي لأسعار النفط ووصول سعر برميل برنت يوم أمس (الجمعة) إلى مستوى 53 دولارا لابد أن يقلق الحكومات والشركات النفطية المعتمدة على بيع سلعة استراتيجية واحدة وبالتالي من المتوقع انخفاض أرباحها الهائلة على المدى القصير بسبب تبعات الأزمة المالية العالمية وتوقع فترة كساد في اقتصاديات الدول المستهلكة للنفط في جميع أنحاء العالم، شاملا الهند والصين.
العوامل الأخرى المؤثرة هي مساهمة الحكومات الغربية في البنوك التجارية الرئيسية وتبعات الخسائر العالية للمضاربين مثل صناديق التحوط (hedge funds) في أسواق الطاقة وبالتالي زيادة نسبة المجازفة في تلك الأسواق.
من الواضح أنه بعد إنتاج الترليون الأول للنفط من مكامنه في أعماق الأرض فإنه من المستحيل لسعر البرميل أن يواصل انخفاضه غير المنطقي لمستوى 40 و50 دولارا. فعلى الرغم من اقتناعي بمقولة: «إن السوق دائما على حق» فإن السعر الحالي لايعتبر عادلا لهذه السلعة الاستراتيجية بل إنه من المتوقع استمرار الضغوطات على كثير من شركات الطاقة لخفض استثماراتها الضخمة لإنتاج تكنولوجيا حديثة لاستخراج النفط من مكامن غير معهودة سواء في البحر أو من الرمال القطرانية.
هذه الضغوطات ستؤدي في المستقبل إلى ارتفاع مفاجئ لسعر برميل النفط إلى مستويات عالية من جديد كما حصل في منتصف الصيف الماضي. وكذلك من المتوقع للرئيس الأميركي المنتخب حديثا أن يرسم سياسة طاقة جديدة للولايات المتحدة لكن هذه الاستراتيجية الجديدة تحتاج إلى عقود من الزمان للتغيير وبناء بنية تحتية في مجال الطاقة تنقل العالم من عصر الكربون إلى عصر الطاقات الجديدة.
إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ