العدد 1760 - الأحد 01 يوليو 2007م الموافق 15 جمادى الآخرة 1428هـ

«دانشكاه» إيران بين حواضن العلم ومفارز السياسة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بدأت في إيران الامتحانات السنوية العامة المؤهلة للجامعات الحكومية في البلاد الخميس الماضي في 382 دائرة امتحانية محلية، و17 دائرة خارج البلاد بشكل متزامن، إذ يتنافس في هذا العام الدراسي زهاء مليون و298 ألفا و474 طالبا في الفروع العلمية الخمسة: الرياضيات، العلوم التطبيقية، العلوم الإنسانية، الفن واللغات الأجنبية، وهو ما يعني إمكان الدخول إلى الجامعات ومؤسسات التعليم العالي (الحكومية) بواقع طالب واحد من كل ثلاثة طلاب، وأن ثمانين ألف شخص سيدخلون الجامعات الحكومية في الدورات النهارية وفي المجموع سيتأهل 450 ألف شخص إلى تلك الجامعات عبر هذه الامتحانات العامة، ليلتحق الباقون بالجامعات الخاصة التي شُيّدت لاستيعاب الكتل الطلابية المتعاظمة للجيل الثاني والثالث من الثورة و60 في المئة من الفتوة العارمة. ولأن الجامعات هي الحواضن العملية للشباب فقد انعكست السياسات الداخلية للنظام السياسي وأيضا مفاعيل الأحزاب على طريقة التفكير واتخاذ المواقف والنظرة إلى الأمور والأوضاع عموما بالنسبة إلى الطالب الإيراني، والجميع يتذكّر هنا ما لعبته الحركة الطلابية خلال سيطرة الثاني من خرداد على الحكم (التنفيذي، والتشريعي والمحلي) منذ العام 1997 ولغاية 2001 والتظاهرات العنيفة التي قام بها طلاب جامعات طهران ويزد وتبريز في يوليو/تموز من العام 1999 والتي كانت تُدار من قِبل جبهة المشاركة الإصلاحية المتطرفة برئاسة محمد رضا خاتمي (شقيق الرئيس الأسبق) لذلك فإن المتابع للتصريحات التي يُدلي بها المسئولون الإيرانيون بدءا من المرشد الأعلى للثورة وحتى المديرون التنفيذيون يُدرك حجم الأهمية الاستراتيجية التي يُوليها النظام السياسي لمثل هذه الطبقة التي بقيت في الذاكرة الإيرانية المعاصرة كإحدى مناشط الثورة الدستورية في العام 1906 ثم في إدارة الصراع الدموي ضد نظام الشاه محمد رضا بهلوي ومن ثم لحسم الصراع الذي دار بين القوى الثورية الموالية للإمام الخميني والقوى المؤازِرة لبني صدر ومسعود رجوي، بل إن برامج الأحزاب المتحالفة والمُشكّلة للحكومات تُفرد ما يكفي لمعالجة ظاهرة الطلاب الأكاديميون (ثلاثة ملايين طالب جامعي في إيران) ليس آخرها ما قامت به حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد من رصد رواتب تأمينية لأكثر من مليوني طالب إيراني يُنتظر دخولهم لسوق العمل المحلي لكسب هذه القاعدة الجماهيرية الواعية.

في العام 1934 أُنشأت جامعة طهران التي تتسيّد من حيث الإمكانات على سائر الجامعات الأخرى في عموم إيران، إذ تضم أكثر من ثلاثين ألف طالب، بينهم 29 ألفا يدرسون البكالوريوس، فيما ينتظم الباقون في درجات الماجستير والدكتوراه، وبها ثلاثة آلاف وخمسمئة أستاذ، على رغم أن طهران تحوي زهاء أربعين جامعة تأتي في طليعتها (بعد جامعة طهران) جامعة أمير كبير وجامعة شريف للتكنولوجيا والشهيد بهشتي والشهيد رجائي ومدرسة التربية، والزهراء وأزادي والإمام الرضا والطباطبائي، ومن حيث الأهمية الأكاديمية بعد جامعة طهران تأتي جامعة أمير كبير الحكومية، التي تأسّست مع نهاية الخمسينات (نسبة إلى رئيس وزراء الملك ناصر الدين شاه من العهد القاجاري) وبها تسعة آلاف طالب، بينهم 700 طلبة دكتوراه، وبطاقم تدريسي لا يزيد عن 480 أستاذا وهي جامعة متخصصة في التكنولوجيا وعلوم الهندسة، وبدأ التمدد الإسلامي في الجامعات الإيرانية بشكل عملي بعد تأسيس الجمعية الإسلامية في العام 1943 بكلية الهندسة التابعة لجامعة طهران على يد مهدي بازرغان، إذ كان اليساريون ينشطون في جامعة طهران منذ العام 1938 من خلال نشاط حزب تودة الشيوعي، ومع مطلع الستينات وما تلاها بدأ الطلبة الثوريون الإسلاميون في التفكير بشكل منهجي للنفوذ إلى الجامعات الإيرانية، ولغاية انتصار الثورة الإسلامية كان الوجود الديني ليس بالمستوى الذي كان يطمح إليه مشاة الحركة السياسية وقادتها، إلاّ أن النفوذ الحقيقي لذلك التيار قد بدأ في التعاظم والتمركز بشكل عملي بعد قيام طلاب نعتوا أنفسهم بالسائرين على نهج الإمام باحتلال السفارة الأميركية في طهران واحتجاز 52 رهينة لمدة 444 يوما، الأمر الذي وسّع من نفوذ الطلاب الإسلاميين بعد الحفاوة التي لقيها هؤلاء الطلاب من قِبل مجلس قيادة الثورة الذي كان يدير البلاد حينها ومن قِبل الإمام الخميني شخصيا. إلاّ أن إغلاق الجامعات الإيرانية لمدة أربع سنوات لإعادة تأهيلها من الناحية المنهجية بغية توفيقها مع آيديولوجيا النظام الإسلامي ضمن خطة الثورة الثقافية وما تلا ذلك من قيام الحرب العراقية الإيرانية قد جمّد التطلعات الطلابية المتنافسة والمندفعة كافة، إذ إن إيران كانت تسير نحو التعبئة العامة وتأجيل جميع الملفات الداخلية العالقة، على رغم أن أنوية الجامعات الإيرانية بقيت تعتمل في داخلها ضمن تحول اجتماعي راديكالي كانت تمر به إيران جراء الظروف السياسية والاقتصادية الصعبة، مُشكّلة بذلك قوة تراكمية ظهرت ملامحها بشكل واضح إبّان انتخاب السيد محمد خاتمي، وبروز تيارات طلابية مندفعة (تكتل تحكيم وحدة) بدأت تنادي بتعديل الدستور، إلاّ أن هذه المواقف الطلابية بدأت في الانحسار وفك الارتباط بينها وبين الحكومة الخاتمية الثانية (2001 - 2005) بسبب ما أسمته فشل حركة الإصلاحات بقيادة خاتمي. وبعد مجيء الرئيس محمود أحمدي نجاد القادم من رحم جامعة طهران بدأ في إعادة التوازن إلى الجامعات عبر ضخ الكثير من الأساتذة المحسوبين على التيار المحافظ في مجالس إمناء الجامعات فعيّن آية الله عباس علي عميد الزنجاني رئيسا لجامعة طهران في 27 ديسمبر/ كانون الأول 2005 كأول رجل دين يتم تعيينه في هذا المنصب منذ تأسيس الجامعة، كما حرص نجاد على تعزيز القوانين المعمول بها منذ انتصار الثورة الإسلامية والمتعلقة بالامتيازات التي يحصل عليها طلاب التعبئة وأبناء قتلى وأسرى الحرب الإيرانية - العراقية، والتي تزيد عن 40 في المئة.

من الجوانب الأكثر ديناميكية فيما يتعلق بالوضع الأكاديمي للجامعات الإيرانية هي صيرورتها كأحد المداخل النوعية لتعاطي إيران مع محيطها الخارجي وتحديدا الإسلامي والعربي، بل إن الحكومات التسع المتعاقبة تحرص على تضمين خططها الخمسية وموازناتها السنوية على إيجاد المنسوب الكافي الذي يحافظ على الخط الموازي ما بين السياسة الخارجية الإيرانية ونشاطها الثقافي والعلمي، لذلك فإن عشرين دولة في شتى أنحاء العالم لديها أساتذة يدرسون اللغة الفارسية وقواعدها في جامعاتهم وفق اتفاقات رسمية مع وزارة التعليم العالي الإيرانية، وهناك طلبات لإحدى وعشرين دولة أخرى لتأسيس مقاعد لتعليم اللغة الفارسية، بل إن خمسة في المئة من المقاعد الجامعية الإيرانية هي مُخصّصة للطلبة الأجانب، وقبل أشهر وافق شيخ الأزهر محمد سيد طنطاوي على طلب تقدم به المستشار الثقافي الإيراني في القاهرة بإنشاء كلية أزهرية في طهران تدرس جميع المذاهب الفقهية الإسلامية بمناهج الأزهر وبأساتذة أزهريين على أن تتحمل الحكومة الإيرانية كلف إنشائها، بل إن الجامعة الإسلامية الحرة التي خرّجت أكثر من مليوني طالب منذ تأسيسها قبل ربع قرن وبها أكثر من 1700 فرع أكاديمي قد بدأت عمليا في فتح فرع لها بدولة الإمارات العربية المتحدة وفي لبنان، وخصوصا أن الجنبة التي تجعل من الجامعات الإيرانية لأن تكون محل جذب للطلاب الأجانب وللكثير من المعاهد العلمية في مختلف الدول هو المستوى العلمي العالي الذي وصلت إليه الجامعات الإيرانية في مجال الطب والطاقة النووية وهندسة السدود والعمارة وتحديدا في جامعة شريف الصناعية وأيضا جامعة شيراز فضلا عن جامعة أمير كبير وطهران.

تبقى بعض المشكلات التي تواجهها الجامعات الإيرانية تتعلق بموازنات الأبحاث والترفيه والبناء وبعض المشكلات الثقافية والاجتماعية وقضايا البطالة التي قد تزيد من إحباط الطلاب الدارسين خلال مشوارهم العلمي وهي جميعها تحديات تواجه حكومة المحافظين الحالية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 1760 - الأحد 01 يوليو 2007م الموافق 15 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً