يتمشيان يدا بيد عبر شارع بلس. يجلسان تحت شمس الربيع الدافئة. كلمة «الله» المعلقة حول عنقها ترسل انعكاسات ذهبية على الرصيف، بينما يُصدر الصليب الخشبي المحاط بخرزات حول معصمه أصواتا خافتة وهو يرتطم بساعة يده. الاثنان يشكلان نسمة من هواء عليل، بالنسبة لي على الأقل.
منذ فجر التاريخ الذي نعرفه يتقاتل الناس بسبب معتقداتهم الدينية المختلفة. من احتلال أراضٍ وبلاد غريبة إلى مناوشات جرى الاعتراف بأنها تافهة في المقاهي على الشوارع، علّق الجنس البشري مشكلاته، من دون رسميات، على مظلة «الدين» الكريمة. وقد اتبع لبنان، الذي يشكل بوتقة الانصهار لهذه الأمور، نمطا إدراكيا مماثلا. صحيح أنه من الصعوبة بمكان إيقاف الحرب أو ما شابهها بشكل فردي، ولكنني لا أملك ولو فكرة ضئيلة لماذا يجد البعض أنه من الصعب بشكل مؤلم جدا قبول العلاقات العاطفية عبر الديانات.
لماذا يعتبر محرما على رجل سني مسلم أن يقع في غرام فتاة مسيحية مارونية؟ لماذا يتجهم الناس عندما يقرأون على بطاقة الدعوة لحفل زفاف «إيلي وزينب»؟
باعتقادي أنه أجمل ما في الوجود عندما يكبر شخصان مختلفان بشكل كامل معا ويتعلمان من بعضهما بعضا ويتقبّلان بعضهما بعضا، أن يتمكن اثنان من قضاء كل هذا الوقت معا يكتشفان حضارة أخرى وأسلوب حياة أخرى يجب أن يكون بحد ذاته معجزة. ولكن ذلك لن يحدث إلا إذا اعترفنا، والأهم من ذلك، قبلنا أنه مهما حاولنا لن نستطيع فصل أنفسنا عن «الآخر». مهما فعلنا سيكون هناك دائما كاثوليكي أو شيعي أو درزي أو بروتستانتي أو سني... إلخ.
لماذا إذا لا نتقبل ذلك ببساطة؟ لماذا لا نقول ببساطة «نوافق» بسبب الحب المتبادل والثقة والاحترام بدلا من الكتاب المقدس المفضل؟
هذا برهان على التعايش الديني في كل مكان ننظر إليه: مسجد مبني على بعد نصف كيلومتر من كنيسة، امرأة مغطاة الرأس تشرب القهوة مع رجل يلبس صليبا، (أكتب هذا وعلى وجهي ابتسامة! إنهما يتناولان القهوة أمامي الآن!). هذا النوع من الاحترام، وتلك اللحظة المقدسة التي نسجناها في حياتنا وأيامنا، يجب أن نطبقها في كل ناحية من حياتنا. وقتها فقط نستطيع البدء ببناء تحالفات لا يمكن الرجوع عنها مع الأمم، وفقط يومها نستطيع أن نبدأ بمشاهدة حلقات الكوميديا على التلفزيون طوال اليوم، من دون أن نواظب على تغيير القنوات للحصول على جرعتنا اليومية من الخلافات السياسية.
أعرف أن الكثير من الناس سيغضبون مني، بل قد يصابون بخيبة الرجاء. ولكنني أعلم، مع كثيرين غيري، أن علينا أن نبرز أهمية هذه القضية الحساسة الهشة، التي تبدو بسيطة جدا إلا أنها في الواقع معقدة بشكل كبير. إذا لم نتمكن من تقبّل ديانات بعضنا بعضا على مستويات فردية، لا أعلم لماذا يصاب الجميع بالصدمة لأن الوطن بمجمله آخذ في التداعي. بعد هذا القول، من ذلك الذي يريد التمشّي في شارع بلس.
*طالبة تعدّ لكلية الطب في الجامعة الأميركية ببيروت بتخصص فرعي في علم النفس، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
إقرأ أيضا لـ "Common Ground"العدد 1760 - الأحد 01 يوليو 2007م الموافق 15 جمادى الآخرة 1428هـ