كان لافتا تأكيد البيان الختامي للدورة السابعة والعشرين (أو قمة جابر تخليدا لذكرى أمير الكويت الراحل) التي عُقِدَت في الرياض في نهاية العام 2006، تطبيق الاتحاد النقدي وإصدار العملة الموحدة على رغم إعلان سلطنة عمان عدم رغبتها في الانضمام إلى المشروع. وقد كلفت القمة كلا من اللجنة المالية والاقتصادية ولجنة محافظي مؤسسات النقد والبنوك المركزية باستكمال بحث معايير تقارب الأداء الاقتصادي والنسب المتعلقة بها.
وكانت عمان قد بيّنت بشكل واضح عدم قدرتها على استيفاء شروط الانضمام إلى الاتحاد النقدي الخليجي مع حلول العام 2010 وهي السنة المعلنة لتنفيذ هذا المشروع الطموح. وما إن انتهت القمة حتى أعلن وزير الاقتصاد العماني أحمد بن عبدالنبي مكي بشكل واضح وصريح عدم رغبة بلاده في الانضمام إلى مشروع الاتحاد النقدي في الموعد المحدد.
بدورنا ندعو الأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي إلى الابتعاد عن الحماس غير اللازم فيما يخص تنفيذ مشروع الاتحاد النقدي. بل نعتقد بأن الظروف غير مهيأة للحديث عن تطبيق الاتحاد النقدي لعدة أسباب منها شروط الانضمام إلى المشروع.
شروط الوحدة النقدية
يتضمن مشروع الاتحاد النقدي مجموعة من المعايير تتمثل في تقييد الدين العام بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما على الدول التأكد من عدم ارتفاع العجز في الموازنة العامة بنسبة 3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. أيضا المطلوب من الدول الأعضاء في الاتحاد النقدي ضمان عدم ارتفاع مستوى التضخم عند متوسط الدول الأعضاء زائد 2 في المئة. كما ينبغي ألا تزيد أسعار الفائدة على متوسط أدنى ثلاث دول زائد 2 في المئة. أخيرا المطلوب من الدول الاحتفاظ بقدر من الاحتياطي يغطي قيمة واردات مدة أربعة أشهر.
بحسب المعلومات المتوافرة، لا تعاني عمان - وهي الوحيدة من بين دول المجلس التي قررت عدم الانضمام إلى المشروع - من أية مشكلة في الالتزام بالشروط المطلوبة في الوقت الحاضر. على سبيل المثال، تحتفظ عمان باحتياطي يزيد على قيمة واردات لفترة خمسة أشهر ونصف الشهر. بل على العكس تواجه دولة قطر صعوبة في التقييد بمسألة الضخامة، التي تقدر بنحو 10 في المئة وذلك على خلفية النمو السريع لاقتصادها الوطني. بدورها تعاني مملكة البحرين من معضلة الاحتفاظ بالاحتياطي المطلوب (غطى حجم الاحتياطي في العام 2006 قيمة الواردات لأكثر من ثلاثة أشهر ولكن أقل من أربعة أشهر).
أسباب انسحاب عمان
في المقابل، يبدو لنا أن السلطات العمانية ترغب في تحاشي حدوث خسائر محتملة لاقتصادها في حال الانضمام إلى العملة الموحدة. يذكر أن العملة العمانية (الريال) هي الأضعف بين عملات دول المجلس؛ ما يمنح الاقتصاد العماني فرصة جلب الزوار من الخارج. كما أن الضآلة النسبية لقيمة العملة تساعد على تعزيز فرص الصادرات غير النفطية للدول الأخرى؛ ما يخدم مسألة الحفاظ على بعض الوظائف فضلا عن إيجاد وظائف جديدة أخرى للشباب العماني الداخل في سوق العمل. في المقابل، ستتسبب الوحدة النقدية في التزام عمان قيمة موحدة للعملة المشتركة؛ ما يعني خسارة ميزة تنافسية للاقتصاد العماني.
إضافة إلى ذلك، ترغب السلطات في عمان في أن تكون في حِلٍّ من نفسها فيما يخص رفع الدين العام لأغراض تنموية بدل الالتزام بنسبة 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. وتكمن حجة السلطات العمانية في أن الاقتصاد العماني مازال ناميا (أي في طور التطوير)؛ ما يعني وجود الحاجة إلى تعزيز المصروفات الحكومية وبالتالي فرص زيادة حجم الدين العام. أيضا ربما ترغب الحكومة في تعزيز المصروفات والاستثمارات المحلية لغرض تحقيق نمو متميز في الناتج المحلي الإجمالي؛ ما يساعد على توفير وظائف تتناسب وتطلعات المواطنين. المعروف أن الآلاف يدخلون سوق العمل سنويا وذلك بعد تخرجهم من المعاهد.
الكثير من السلبيات
حقيقة القول: إن هناك الكثير من التداعيات لمشروع الاتحاد النقدي كما هو مطروح حاليا. تتمثل السلبيات في عدم قدرة أية دولة من الدول الأعضاء على معالجة مشكلاتها الاقتصادية بمنأى عن الدول الأخرى. فالعملة الموحدة تحرم الدول الأعضاء حرية تبني سياسات اقتصادية أحادية تعالج أوضاعها المحلية؛ بسبب الشروط المفروضة من قبيل ضمان عدم ارتفاع معدل المديونية عن نسبة معنية فضلا عن ضرورة الاحتفاظ بمستويات محددة لعجز الموازنة العامة والتضخم كما أسلفنا.
لاشك في أن لكل دولة ظروفها وتحدياتها الاقتصادية. على سبيل المثال، تعاني البحرين من أزمة بطالة إذ لايزال مئات المواطنين من دون وظائف. من جانبها، تعاني الكويت من مشكلة التضخم (لاحظ قرار الحكومة فك ارتباط الدينار الكويتي بالدولار بسبب تدني قيمة الدولار مقابل العملات الرئيسية الأخرى؛ ما زاد من قيم السلع المستوردة بعملات اليورو والين الياباني والجنيه الإسترليني). والحال نفسها تنطبق على قطر إذ قررت السلطات زيادة الرواتب بسبب ارتفاع كلفة المعيشة. كما قررت كل من قطر ودبي تحديد سقف الزيادة السنوية للإيجارات.
تجربة اليورو
أيضا المطلوب من دول المجلس أخذ العِبر من التجربة غير الناضجة لعملة اليورو والمتبنية من قِبل 13 من أصل 27 عضوا في الاتحاد الأوروبي. تم بدء العمل في عملة اليورو في مطلع العام 2002. ولكن رأينا أن العملة عانت الأمرّين؛ بسبب التداعيات المرتبطة بارتفاع قيمتها في فترة قصيرة نسبيا. فقد ارتفعت قيمة اليورو بنسبة كبيرة في غضون أربع سنوات. بمقدور 77 سنتا من اليورو في الوقت الحاضر شراء دولار واحد. أما في العام 2002، فكان لزاما دفع يورو زائد 25 سنتا لشرار دولار واحد.
تتسبب ظاهرة ارتفاع قيمة اليورو بإلحاق أضرار بصادرات دول منطقة اليورو وبالتالي الدورة الاقتصادية وعليه سوق العمل. فارتفاع قيمة العملة يخدم الواردات التي بدورها تصبح أقل كلفة، ولكنه ينال من القدرة التنافسية للصادرات (وبالتالي مسألة الوظائف) إذ تصبح المنتجات أغلى من ذي قبل؛ ما ينال من القوة الشرائية لليورو. يذكر أنه ليس بمقدور أية دولة في منطقة اليورو تبني سياسات اقتصادية أحادية لمعالجة مشكلاتها الاقتصادية مثل البطالة؛ بسبب شروط الانضمام إلى العملة الموحدة مثل: ضرورة المحافظة على نسب معينة للمديونية والعجز والتضخم. ويبدو أن هناك الكثير من حالات عدم الرضا في أوساط الشعوب الأوروبية عن تجربة اليورو إذ تبيّن ذلك من خلال الدراسات التي صاحبت احتفالات مرور 50 سنة على تأسيس الاتحاد الأوروبي.
لا داعٍ للعجلة
باختصار نحن من دعاة التريث وعدم الاستعجال في تنفيذ مشروع الاتحاد النقدي وذلك على خلفية الظروف الاقتصادية في منطقة الخليج. وقد كشفت تجربة تراجع أداء البورصات في العامين 2005 و2006 عن أن المجتمع الخليجي ربما لا يتحمّل الصدمات. كما أن على دول المجلس الاتعاظ من تجربة اليورو من قبيل تداعيات ارتفاع قيمة العملة. لا نعتقد بأن العام 2010 تاريخ مقدس إذ نخشى أن يؤدي تنفيذ المشروع الطموح إلى حدوث عواقب لا تحمد عقباها. فرسالتنا إلى الأمانة العامة في الرياض هي تذكيرها بالمقولة المأثورة: «في التأني السلامة وفي العجلة الندامة».
@ عضو اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس النواب
العدد 1759 - السبت 30 يونيو 2007م الموافق 14 جمادى الآخرة 1428هـ