ساذج وبائس جدا هذا الرئيس لـ «أقوى» دولة في العالم إذا كان لايزال يعتقد أن أحدا من شعبه يصدقه بكلمة واحدة فما بالك بشعوب العالم المتحررة من سطوة عصابة ديك تشيني ومن لف لفهم من المتهاوين من على سلم الصدقية السياسية والأخلاقية!
ربما قرأتم مثلي النداء الذي وجهه قبل أيام إلى من سماهم بـ «الأحرار» في سورية وإيران إذ قال لهم:
«أنتم لستم مقيدين ببؤسكم إلى الأبد! لن تحتجوا بعد الآن بصمت، العالم الحر يسمعكم، أنتم لستم وحدكم أميركا تمد لكم يد الصداقة نحن نعمل من أجل اليوم الذي يمكننا أن نرحب فيه بكم في عائلة الدولة الحرة...!».
انقل لكم حكاية قصيرة حدثت لي مع أحدهم في إيران جاء لتصليح أحد الأجهزة الكهربائية المعطلة في منزلي وقد كان يبدو من هيكله ولباسه وشاربيه الطويلين والممتدين على الطريقة الإيرانية العريقة أنه رجل «قومي» بامتياز! وبعد أن أنهى عمله بدأ يحدثني عن لبنان وآخر أخباره بعد حرب يوليو/ تموز الشهيرة وقد سألني مستفزا ولكن بلطف: هل تعرف لماذا انتصر حسن نصرالله فيما فشل الآخرون؟! وقد شعرت أنه يخبئ شيئا ما للخطوة التالية فقلت له على الفوز محاولا استفزازه كما ظننت: لأنه مسلم حقيقي سار على طريق الإمام الخميني الذي أحبه وعشق فكره الثوري حتى الاستشهاد! فقال لي: «كلا فأنت مخطئ انتصر لأنه صادق مع شعبه ومع نفسه ولم يسرق ولأنه أحب وطنه لبنان بحق وما أتمناه أن يكون حكامنا مثله تماما، فنحن الإيرانيون نعشق وطننا ولن نفرط به تحت أي ظرف من الظروف هل تعرف مثلا أنني غير راض على الحكم الحالي ومثلي قد يكون الكثيرون كذلك لكننا لن نكون مثل العراق أو أفغانستان فإذا ما حاولت أميركا أو غيرها الاشتباك مع حكامنا سنصبح صفا واحدا مهما كلفنا ذلك من ثمن!».
هذا غيض من فيض كما يقول المثل مما هو موجود في إيران وفي سورية كما أعرف وفي كثير من الأقطار العربية والإسلامية التي يزداد عشقها لأوطانها ورفضها لتسليمه لقمة سائغة بيد الأجنبي، مع كل يوم جديد يمر على تجربتي أفغانستان والعراق «التحرريتين»!
الناس العاديون الذين يراقبون بشكل يومي أخبار البؤس الأميركي الممنوح للعراقيين والأفغان مضمخا بدم أبنائهم كيف سيتلقون بنظر بوش كلامه عن البؤس! الذي يعيشونه في بلادهم؟ إنهم يشكرون الله في كل ساعة بأنهم ليسوا عراقيين ولا أفغانا! هذا هو لسان حالهم وإذا كان بوش يشكك في مدعانا فليوكل لمبعوثه الذي استنسبه أخيرا ممثلا له في المؤتمر الإسلامي أن يقوم باستطلاع حر للرأي العام في أي قطر عربي أو إسلامي يشاء وسيجد العجب العجاب شرط أن لا يستعين أو يوكل المهمة هذه لمؤسسة ابن خلدون أو ما يشبهها من مراكز «المجتمع المدني»!
كيف سيصدق الناس كلامكم يا فخامة الرئيس بأنكم تمدون يد الصداقة للشعوب «البائسة» برأيكم وهم يلمسون عسف تصرفاتكم وممارساتكم ليس فقط عبر هدير الطائرات والدبابات التي تقتل عشرات المدنيين الأبرياء من العراقيين والأفغان بشكل يومي ومنتظم بل يرون ذالك أيضا في فلسطين وهو يزداد كلما لجأ الشعب الفلسطيني إلى الاقتراب من يوم حريته والتخلص من بؤسه حتى على الطريقة الأميركية التي تريدون أي سواء كان ذالك بصناديق الاقتراع فتتنكرون لنتائجها أو كان ذلك حسب خطة ممثلكم دايتون بالتنسيق مع دحلان فتتخلون عنهما تماما كما تخليتم عن شاه إيران في الزمن الماضي! هذا فضلا عن رفضكم للتعاون مع ما يسمى بالمجتمع الدولي في أية قضية تهم البشرية عموما ابتداء من رفضكم للتوقيع على معاهدة كيوتو للنجاة من الاحتباس الحراري الذي يهدد الوجود الإنساني وأنتم أكثر الدول تسببا به كما تقول ميركل ويقول ساركوزي وليس تشافيز أو بن لادن أو أحمدي نجاد أو بشار الأسد الذين تكرههم جميعا وانتهاء من رفع اليد عن احتكارات الدواء والانترنيت وغيرها الكثير كما يقول علماء محايدون من الكويت وألمانيا وفرنسا التي بدأت تخاف على هويتها الثقافية منكم!
أم تراهم متلهفون للترحيب بهم في عداد الدول الحرة! من أجل تكرار تجربة أبوغريب وعمليات الاغتصاب الجماعي والفردي المتكررة والمتنقلة ضد كل من لم يشترك في التحرير! بل الدوس على رؤس حتى الذين اشتركوا بـ «التحرير» كما حصل مع رئيس الحزب الإسلامي السابق محسن عبدالحميد!
يا فخامة الرئيس! البؤس لاسيما الأبدي منه ولى زمنه إلى الأبد منذ أن تعرّفت بل لمست الشعوب كل الشعوب في آسيا وإفريقيا وأميركا اللاتينية «صداقتكم» المخاتلة لها فيما لمست طعم الحرية الحقيقي عندما قررت أن تعود لذاتها وتصبح قراراتها نابعة من معادلة داخلية مئة في المئة وتعشق هويتها الدينية والقومية والثقافية الخاصة بها كما يعشق الإنسان الحقيقة الأزلية.
نعم نعترف لك بفضل واحد يا فخامة الرئيس الإمبراطوري وهو أنك عندما استعنت بالعباقرة من صنف المحافظين الجدد والذين تصرفوا كالوحوش الكاسرة مع فرائسهم «الأحرار» الجدد إنما قصرت المسافة والمدة الزمنية اللازمة لانتقال الشعوب المغلوبة على أمرها من عصر «الأرانب» إلى عصر «الأسود» لكن الأسود الأصيلة التي تعشق عرينها ولا تعتدي على حقوق شركائها في المجتمع الدولي! وبذلك فقد ولى فعلا زمن البؤس الأبدي إلى الأبد وغدت الشعوب أوعى من أن «تستحمر» كما كان يقول المفكر الإيراني الراحل الدكتور علي شريعتي ولم تعد من الشعوب التي تصدق عليها مقولة: قابلية الاستعمار «للمفكر الجزائري الراحل الدكتور مالك بن نبي، إنه زمن الأحرار الواقعيين وليس زمن الأحرار المزيفين يا فخامة الرئيس المحكوم ببؤس تحليلات المحافظين الجدد المؤبد!
إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"العدد 1759 - السبت 30 يونيو 2007م الموافق 14 جمادى الآخرة 1428هـ