تحدث خطيب جامع عالي الكبير الشيخ ناصر العصفور عن السنن الالهية والقوانين التي تحكم الحياة الإنسانية والتي لاتقبل التغيير أو التبديل كما قال تعالى: «ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا» (فاطر:43)، وقال العصفور: «الأمة التي تأخذ بأسباب القوة والنهوض ستشق طريقها إلى التقدم والصعود، والعكس بالعكس، ونحن كأمة لها تاريخها ولها حضارتها المتميزة لابد وأن نتساءل الآن كيف وصلنا إلى هذا الحال وانتهينا إلى هذا المآل وقبعنا في ذيل قائمة الأمم في حالة من الذل والهوان؟».
وأضاف العصفور «إننا بدل أن نتغنى بالماضي أو أن نتباكى على التاريخ يجب أن نعمل على انتشال أنفسنا وأن نوقف حالة التردي أولا، وأن نتلمس مواقع القوة للنهوض من هذه الهوة وليس إلا بالأخذ بأسباب المنعة والقوة في كل القضايا والمجالات الحيوية والملفات الحياتية ومعالجة جميع المشكلات وحلحلة كل الأزمات بطريقة عقلانية علمية، وأن نفكر بطريقة عملية وجدية وواقعية بعيدا عن طريقة التفكيرالعاطفية المجردة التي تستسلم للعواطف والغرائز ولانجعل مقياسنا للأمور وتقييمنا لقضايانا على أساس من الميول والأهواء، فهناك مواقع خلل كثيرة في مجمل تفاصيل حياتنا وعلاقاتنا في الداخل والخارج تحتاج إلى تأمل وتفكير ومعالجة وتصحيح ومراجعة وتقييم على أساس علمي صحيح ومدروس »، لافتا إلى أن «هذه العقلية المتطرفة في الحالين بين التأزيم والتبسيط تمثل عمق مشكلتنا في كيفية تعاطينا مع واقعنا ومشكلاتنا».
وضرب العصفور مثالا للتعاطي غير الواقعي للقضايا والتحولات هو مدى ردة الفعل لدى قطاعات كبيرة في عالمنا العربي والإسلامي تجاه ماحدث في الانتخابات الأميركية الأخيرة، وقال: «الحق يقال إن هذا التغيير أحدث نقلة نوعية وشكَّل حدثا فريدا يسجل للأمة الأميركية، إلا أن حالة التفاؤل المفرط والتوقع للتغيير الكبير في السياسة الأميركية الخارجية هي نظرة غير واقعية فلن يخرج الرئيس المنتخب عن طريقة أسلافه في التعاطي مع ملفات الشرق الأوسط وقضايا الأمتين العربية والإسلامية إلا من ناحية شكلية لا أكثر، بل ربما يكون الأصل والعرق واللون سبباَ لتشدده بشكل أكثر ليثبت صدقيته وولائه للمجتمع الأميركي ولمصالح الأمة الأميركية، هذا كله يرتبط بواقعنا ووجودنا وأمننا واستقرار منطقتنا شئنا ذلك أم أبينا فلم نعد نحن كأمة نصنع التاريخ كما هو الحال في الماضي البعيد». وتحدث العصفور عن فريضة الحج ودور هذا الموسم الكبير في حياة المسلمين وتطرق بشكل مفصل للكلام عن البيت العتيق الذي يمثل مركز التوحيد الأول، كما قال تعالى «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركأ وهدى للعالمين فيه أيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان أمنا»(آل عمران:96)، وقال العصفور إن الآية أشارت إلى وجود آيات ودلائل شاهدة وعلامات صادقة وآثار عريقة ضاربة بجذورها في التاريخ ومنها مقام إبراهيم كمعلم بارز يربطك بتأريخ الأنبياء العظماء لاستذكار تأريخهم ومحطات جهادهم وتضحياتهم فليست هي مجرد أبنية وأحجار كغيرها من المعالم والآثار وإنما هي تمثل تاريخا لأجيال من الأنبياء ولها ميزتها الخاصة وقدسيتها لما أودع الله فيها من أسرار وبركات.
وقال العصفور ينبغي على من قصد البيت الحرام وأداء مناسك الحج أن يتعرف على معاني وأهداف الحج العظيمة وأن يقف على مقاصد هذه الشعائر وأسرارها وفلسفتها وما تنطوي عليه من دلائل معنوية وآثار روحانية، ويستفيد من كل خطوة وعمل مستلهما المعنويات والفيوضات الإلهية من هذه الرحلة الربانية، والمهم هو الإخلاص لله تعالى وتطهير القلب من كل الشوائب والأدران مستفيدا من هذه الأجواء التربوية العالية.
العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ