العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ

المبارك: التقيِّد بالنظم شرط أساسي لمواجهة الأزمات وحلها مع الزمن

الوسط - محرر الشئون المحلية 

14 نوفمبر 2008

قال خطيب جامع الإمام المنتظر بقرية دار كليب الشيخ حميد المبارك في خطبته أمس (الجمعة): «ضروري لمواجهة الأزمة أن يعترف الإنسان بوجودها في حياته، ولأن أول العلاج هو التشخيص الصحيح فلابد من البحث في الواقع وقياسه على مفهوم الأزمة التي نستطيع أن نعرِّفها بأنها حالة يكون بها الفرد أو الجماعة في وضع لا تعلم نتائجه»، لافتا إلى أن التقيد بأطر النظم شرط أساسي في مواجهة الأزمات وتحليلها مع الزمن.

وأضاف المبارك «إذا لم يعلم الانسان الى أين يتجه وضعُه فذلك يعني وجود عوامل تشتغل خارج السيطرة وهو دليل الأزمة، ولو نظرنا إلى بلدنا كمثال يهمنا كثيرا فقد نلاحظ بوادر لوجود معطيات لا يعلم ما هو مؤداها، فعلى المستوى السياسي نلاحظ تجاذبا بين الأطراف على ملاكات سياسية أو مذهبية قد يتحول إلى فتنة، وعلى المستوى الاجتماعي نلاحظ تبدلا في مظاهر الترابط الاجتماعي والأسري قد يتجه إلى منحنيات خطرة (نسب الطلاق مثلا)».

وأكد المبارك أن الأزمات قد تنشأ عن عوامل قاهرة لكنها في الأعم الأغلب تنتج عن غياب التخطيط الواعي الذي يجنب الإنسان في كثير من الأحيان النتائج غير المحسوبة، فالتخطيط يجعل الانسان قادرا على تحديد موقعه من الأهداف المرسومة وتحديد ماذا عليه أن يعمل ليقترب اليها، والحقيقة هي إننا نفتقر إلى وعي التخطيط لدرجة أن شبّه بعض المفكرين أوضاعنا بالحالة القمارية الموكولة إلى الصدف فإما أن نربح كثيرا أو نخسر كثيرا، ولكننا لا ينبغي أن نقف على هذا الحد بل لابد أن نسأل ثانيا لماذا يغيب التخطيط عندنا؟، و قد قلت يوما إن الوعي بالظواهر ينتج عن متابعة الأسئلة حولها إلى أن نصل الى أسبابها الحقيقية، وهنا يمكننا الإشارة الى التصورات المشوهة عن الحياة والسعادة والعلاقة بين الدنيا والآخرة بحيث صرنا نتوهم خصومة حقيقية بين الدنيا والآخرة وأن الاستزادة من أحدهما تعني الخسارة من الآخر، ولكن الخسارة في الدنيا يعني الفقر المادي الذي قد يؤدي الى فقر معنوي نتيجته خسارة الآخرة، كما قال الامام علي (ع) الفقر مدهشة. وقال: كاد الفقر أن يكون كفرا، وأيضا: لو كان الفقر رجلا لقتلته.

وذكر المبارك، لا تغيب عنا مشكلة الخطاب الذي أولد هذه التشوهات من جهة، ومن جهة أخرى أوصل الناس إلى ضعف الأمل بوجود فرص النجاح مهما ضاقت الأحوال، فترسيخ اليأس من الأوضاع يؤدي الى غياب الوعي بالحياة وضعف الإرادة والعزيمة على الاستفادة من المساحات الإيجابية مهما تكن صغيرة وتنميتها، وهو ما يسمى «الذكاء العملي» فالتاجر الذكي هو الذي يلاحق الفرص الصغيرة بالمجهر ويعمل على تنميتها، ولذلك جاء النهي في بعض النصوص عن الاستهانة بقليل الرزق فلعله مفتاح كثيره، ولعل الفرصة القليلة القيمة قابلة لأن ينميها الإنسان بوعيه وإرادته ليحولها الى شيء كبير، والقوانين الكونية واحدة في كل المجالات ولكن تختلف أشكالها، فالذكاء العملي في كل مجالات الحياة هو الوعي بالفرص والتي لا تقف كالتمثال منتظرة وإنما هي لمحات وإشارات؛ فعلى الإنسان أن يفتح عينيه جيدا ليلاحظها، وقد يخسر الإنسان مساحة في الحياة فإذا تغلبت عليه الخسارة وأضعفته فإن مآله إلى الفشل ولكنه إذا امتلك الثقة والقدرة النفسية فإنه سيحاول البحث عن فرص جديدة ومساحات أخرى، ومن ألطاف الله بالخلق أن يجد الانسان فرصا عالية لم يكن ليشعر بها لولا الخسارة، فقد يندفع الإنسان في اتجاه معين ويرى الدنيا من خلاله فلا يبصر سواه فيذهل عن مجالات أخرى هي أكثر نفعا له وفائدة لو سعى إليها، مضيفا؛ لذا يؤكد علماء النفس أن الأمل الصحيح هو الشرط النفسي لمواجهة الصعاب وتجاوز الأزمات والذي هو غير الأماني التي تعني الاتكال على حسن الصدف، وهنا لا نميل الى الإسفاف في التمثل بالآخرين حيث توجد فئات في بعض دول العالم كانت تعاني القهر ولكن قادتها وصناع الخطاب لديها اتبعوا استراتيجية الأمل والثقة التي دعتهم الى متابعة الفرص مهما تكن ضئيلة وصغيرة ثم العمل على تنميتها إلى قدرات كبيرة، ولكن الأفضل أن نتمثل بتاريخنا فعندما شرع المسلمون في حفر الخندق كانوا يعانون من الفقر والقهر والحصار وكانوا بحال من الفاقة بحيث أن أحدهم يمص التمرة ثم ينقلها إلى الآخر، ولكن عندما ضرب النبي (ص) على الصخرة بالفأس قال ستفتح لنا كنوز فارس وستفتح لنا كنوز الروم فسخر المنافقون من كلامه، ولكن النبي أراد أن يبعث في نفوس المسلمين الأمل بالقدرة على تحويل الضعف إلى قوة.

وشدد المبارك على أنه من الضروري التأكيد أنه لا يمكن تنمية الفرص إلا بالتعامل الصحيح مع الأشياء وهو ما يسمى بـ «النظم» الذي هو التعامل مع كل عنصر من العناصر وفق طبيعته، فالعلاقات الأسرية المنظمة هي التي تبنى على أساس مراعاة الخصوصيات الطبيعية لأفراد الأسرة كوالد وولد وزوج، فتتعامل الزوجة مع زوجها مراعية المقتضى الطبيعي لكونه رجلا وكونه زوجا والزوج يعامل زوجته مراعيا المقتضى الطبيعي لكونها امرأة وكونها زوجة، فمن باب المثال قيل إن طبع الزوجة أنها تود أن يشاركها زوجها في همومها ولذلك تنساق في تفاصيل الأشياء لاستدعاء مشاركة الزوج، فعلى الزوج أن يتفهم هذه الطبيعة في المرأة ويتدرب على الإنصات والاستماع، وطبع الرجل أنه يدير مشكلاته في رأسه لذلك فهو يميل أحيانا إلى الخصوصية في المنزل، فعلى الزوجة أن تحترم هذه الرغبة كحق طبيعي للزوج، وقد يكون المدير والموظف صديقين حميمين خارج العمل وتسقط بينهما الكثير من الحواجز ولكنهما عندما يدخلان إلى محيط العمل تتبدل طبيعة العلاقة بينهما من الصداقة إلى المسئولية ومن الروابط إلى الضوابط، هذه أمثلة قد يعدها البعض صغيرة ولكن بالإمكان أن يقاس عليها سائر العلاقات لأنها تخضع لنظام واحد، لذلك، ففيما يتصل بما تحدثنا عنه في خطبة سابقة وهو العلاقة المطلوبة بين السلطة والمعارضة لا تكون استثناء من ضوابط النظم، فيجب احترام ما تقتضيه طبيعة السلطة وكذا يجب احترام طبيعة المعارضة، فللسلطة اقتضاءاتها وسماتها الطبيعية المقومة لمفهومها كمظاهر الهيبة والاقتدار، ويجب أن يقر لها بذلك إلى المستويات المعقولة ضمن أطر العدالة، وللمعارضة سماتها المقومة لمفهومها والتي تتلخص في انتقاد الوضع القائم ويجب أن يقر لها بذلك إلى المستويات المسموح بها في إطار الدستور، فالتقيد بأطر النظم شرط أساسي في مواجهة الأزمات وتحليلها مع الزمن، ولكن الإخلال بها مدعاة الى تفاقم الأزمات وتحويل المشاكل العارضة الى عقد دائمة.

العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً