كثيرا ما قيل أن اللغة العربية ، أوعلى الأقل كيفية استخدامها، ظالمة للمرأة، فهي مذكرة اللفظ والمعنى، ولطالما كان «تأنيث» اللغة مرفوضا من قبل كثير من اللغويين، بحجة عدم الاستخدام المسبق لبعض المصطلحات، وبحجة أن لفظة « عضوة» مثلا غير صائبة لغويا، ويجب أن نشير لغة إلى الأعضاء بلفظة « عضو» حتى لو كان هذا العضو « مؤنثا».
ولعل الاستخدام المذكر للغة منتشرا بشكل واسع جدا في كل الأوساط حتى التي غزتها النساء، حتى أصبحت النساء أنفسهن يستخدمنها «مذكرات» أنفسهن «لغة»، على رغم من «تأنيثهن» في المعنى. وما زلت أذكر في هذا الصدد اليوم القسم الذي ألقته عضوات مجلس الشورى والذي حمل في ضمائره جميعا الصفة الذكورية، متجاهلا نون النسوة وياء المخاطبة وتاء التأنيث وكل ما تميزت به عبقرية اللغة العربية من ضمائر متنوعة.
أقسم بالله العظيم أن أكون « أمينا» وليس « أمينة» ... هذا ما بدأ به ذلك القسم، مع سلسة طويلة من الألفاظ والصفات المذكرة التي تجاهلت أي ضمير مؤنث، وربما التزمت العضوات بنص القسم من باب الالتزام بالنص الذي لم يكترث ليضع صيغة أنثوية على رغم من وجود 10 سيدات من العضوات اللاتي يجب أن تستخدم في حقهن تلك الضمائر المؤنثة التي نادرا ما تستخدم في مواقع من هذا النوع.
يكثر الجدل أيضا بخصوص صفة النائبة سواء في الكواليس الصحافية أو في كواليس مجلس النواب أو الجهات الرسمية، فلا وجود لهذا المصطلح في اللغة « بحسب اللغويين» ، ويجب أن يتم تذكيره، حتى لو كانت تلك «النائبة» أنثى. ولأن لدينا في البحرين حاليا نائبة واحدة هي لطيفة القعود، كان على كثير من الجهات أن تأخذ قرارها اللغوي بعد مناقشة ليست باليسيرة حول ذلك. هل نتجاوز ما تقوله اللغة ونشير إليها بمصطلح النائبة، أم نتمسك « بالضمير المذكر» ونجعلها هي وغيرها من النواب الرجال « سواء بسواء».
كيف يمكن أن نجعل من اللغة طيعة في أيدينا ومتناسبة مع التغيرات الحاصلة حولنا، بعيدا عن أية « فتاوى جندرية»، وكيف يمكن أن نقدم قراءة واقعية لهذه اللغة السلسة التي تعتبر بحق أحد أعظم اللغات في العالم، فنكون عادلين من دون أن نمس ثوابتها الأصيلة؟ ربما يطرح هذان السؤالان نفسيهما بقوة على الساحة عندما يتعلق الأمر بأي مصطلح يبدو من الواجب تأنيثه في حال كان يشير إلى امرأة، فلماذا لا نسمي المدير « مديرة» لو كان من يشغل هذا المنصب امرأة، لماذا أصدرنا أحكاما « لغوية» مسبقة على هذا المنصب بأن من يشغله يجب أن يكون رجلا « لغة». وكلما ارتفع المنصب مقاما، اختفت الضمائر المؤنثة من مصطلحاته. ولا بد أن نحتاج دوما إلى استثناءات « لغوية» لنجعل من الوزير «وزيرة» إذا كان من يشغل هذا المنصب امرأة.
غير أن مثل تلك الاستثناءات التي بدأت تحصل لا بد أن تقود في يوم من الأيام لتغيير ما في تلك الصورة اللغوية «النمطية» ، التي تجعل السياسة مثلا ملعبا رجاليا بامتياز، فمصطلح « السياسي» طبيعي، بينما مصطلح « السياسية» ثقيل، ومصطلح العضو اعتيادي، بينما مصطلح « العضوة» خطأ لغوي، وكأنما لا يمكن أن تمنح المرأة شرف العضوية « لغة» مثلما يمنح الرجل ذلك. الواقع الاجتماعي، والمرأة والرجل أنفسهما، إلى جانب اللغة ، أطراف معادلة مهمة قد تساهم مع الوقت في تغير بناء في « تأنيث اللغة» الذي يعتبر حقاَ آخر « مخفيا» من حقوق المرأة.
إقرأ أيضا لـ "ندى الوادي"العدد 1758 - الجمعة 29 يونيو 2007م الموافق 13 جمادى الآخرة 1428هـ