هذه هي حال الدنيا، أناس يمرون، وآخرون يولدون ليذوقوا من مرها ويأكلوا من برها... ولكن الجزع يتضاعف كلما كان الفقيد شابا أو معطاء لا يبخل على الآخرين بما يملكه من خيرات. ولعل ما يسلينا هو أنه لم يمت إلا بعد أن مر بابتلاء ومعاناة من الأمراض باختلاف أنواعها حتى اختار أخيرا الخلاص!
عزاء مفتوح، ليس لثلاثة أيام ولكن لأيام وليال طوال، والباب مفتوح للمعزين على سواحل خليج توبلي الذي لم يعلن رسميا عن موعد دفنه، ولكن التوقعات تشير إلى أن المعنيين بالفقيد سيتركونه أياما قليلة ليودعه كل من عرفه! كم أنت مسكين يا خليج توبلي، عشت فينا سنين عدة، فجزيت منا مياه المجاري التي ظلت تغذي ماءك ليل نهار من دون كلل ولا ملل...
والغريب أن الخليج الذي أعلن قبل فترة وجيزة أنه محمية طبيعية من الفئة (ب)، أعلن أخيرا أنه مستنقع للقاذورات والمخلفات، الأمر الذي يظهر لنا تناقضا كبيرا بين المكتوب والواقع.
ولكل البحرينيين المهتمين بالخليج نقول لهم لا تحزنوا كثيرا، فهناك مشروعات واسعة في صحاري البحرين، لإقامة مشروعات لحدائق الحيوان، وهناك احتمال كبير أن ينشأ خليج على غرار خليج توبلي في الصخير، فما المانع من دفن الخليج والاستفادة من بيع أراضيه الباهضة الثمن واستبداله بخليج «الصخير» التي لا تساوي أراضيها بضع «روبيات»، وإن صح هذا التوقع فستكون خطوة جهنمية من الحكومة! فما لكم والمطالبة بخليج لم يبق منه سوى القاذورات والروائح النتنة والأسماك المشوهة، وما لكم بالمطالبة بأراض يقال - والعهدة على الرواي - إنها باتت في حساب بعض المتنفذين، وكما يقال: الحي أبقى من الميت.
نعم، لقد كانت الأحلام تراود الصيادين والأهالي برؤية محمية طبيعية يلجئون إليها بعد أن ردم البحر وغابت مياهه تحت وطأة الجرافات، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه، ولا يمكن أن نحاسب المسئولين على أحلام حملناها في مخيلتنا، فمتى حوسب الآخرون على أحلامهم، وخصوصا إذا تعارضت تلكم الأحلام مع سطوة المتنفذين النافذين على النظام والقانون؟!
إذا، وكما قلنا في مقام آخر، شئتم أم أبيتم فـ «ابلوعوها مرة أمر من الحنظل»! وسنصل في يوم من الأيام، عاجلا أم آجلا إلى حقيقة مرة مفادها أن خليج توبلي أصبح خطرا على البيئة وعلى حياة الناس والأهالي، وبات من الضروري ردم مياهه قبل أن تشيع الفساد في الأرض، والأمَر أن ذلك سيتم وفق القانون، فهل يمكن أن تترك الدولة المواطنين يعانون من الأوبئة والأمراض والقاذورات ومياه الصرف الصحي، ومن ثم يأكلون الأسماك الملوثة؟! هيهات ثم هيهات أن تسمح بذلك!
إقرأ أيضا لـ "عبدالله الملا"العدد 1758 - الجمعة 29 يونيو 2007م الموافق 13 جمادى الآخرة 1428هـ