العدد 1758 - الجمعة 29 يونيو 2007م الموافق 13 جمادى الآخرة 1428هـ

الطائفية: أزمة اجتماعية أم استشكال سياسي؟!

خالد المطوع comments [at] alwasatnews.com

أدى اتساع الرقعة المنفتحة للمجال الالكتروني العابر للقارات والمحيطات إلى إتاحة الفرصة للجميع من مختلف أنحاء العالم للتواصل بأيسر السبل وأقلها كلفة، كما أصبحت شروط إنتاج المعرفة والحصول عليها وتوزيعها أكثر سهولة من ذي قبل بفضل هذه الطفرة الحديثة في عالم الاتصال والتواصل غير المسبوقة عصريا، وبالمثل فإن عجينة التواصل والمحتوى الالكتروني كما هي قابلة لتشكيل وإنتاج خبز المعرفة الضرورية فإنها أيضا قابلة بذات الأنامل لأن تكون مشروع إثارة وتشويش وبلبلة طائفية تنخر أعصاب المجتمع وتحز عنق العمل السياسي الوطني، وأن تستغل بطيش شبابي عبر منتديات وملتقيات تتأقلم مع موجات الانفتاح الأخيرة ببث أحقادها الطائفية التي من السهل تزويدها وتطعيمها معرفيا بالروابط الإلكترونية المتعددة المتضمنة لتسجيلات صوتية ومرئية تثبت صدقية مقولة طائفية أو تدحض أخرى!

ويأتي انتشار المواقع والمنتديات الطائفية ذات الأصباغ الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والسقف العالي في اللجوء إلى وسائل الشتم والتخوين واستنكار صوت الاعتدال والوسطية والمنطق العملي مع وقت يتجه نحوه المجتمع البحريني نحو مقاصل التشطير العمودي المبيت بأهداف تكتيكية سياسية يصبح فيها التطرف والتصادم موضة سلعية عصرية رائجة، مثلما كان الحس الوسطي المعتدل بأصحابه ونخبه كذلك في وقت مضى!

وإن كنا لا نختلف عن خطورة المد الطائفي الالكتروني كونه انعكاساَ اجتماعيا وسياسيا طبيعيا بما يفرغه من شحنات حقد وكراهية مبنية على أوهام بليدة مذيلة، وقد أتى متماهيا مع حداثة الكترونية متواصلة ليسخر طاقاتها الخارقة في خدمة أهدافه القروسطية الهدامة، إلا أن نقطة الاختلاف تقع مع سياسة وزارة الإعلام في تعاملها الرقابي المسيس بطبيعة الحال وفطرته الأصيلة مع الموضوع وفي ازدواجية معاييرها الرقابية، فبغض النظر عن الأثر السلبي الذي قد يخلفه إغلاق منتدى وموقع إلكتروني شعبي على واقع الحريات في البلاد أو عن الأثر الإيجابي الذي قد يلعبه في الحد من الحجم المتغول للتصادمات الطائفية ولتقاذف الشتائم واستخدام عبارات التجريح العدوانية التي لا يختلف أحد على خطورتها، إلا أن ما يحير في التعامل الرقابي لوزارة الإعلام مع هذه المواقع والمنتديات هو أنه أتى مسيسا بالدرجة الأولى يغلب بطبيعة الحال المصلحة السياسية على عموم المصلحة الاجتماعية للوطن وخاضعا حتى النخاع للتحسس من مخاطر استشكال سياسي تسببه بعض المواقع والمنتديات ذات السقف العالي، والتي تسود وتهيمن فيها النبرة الطائفية الممقوتة وهي مع ذلك تساند أجندة المعارضة الإصلاحية وقياداتها الوطنية وتتناول قضايا وطنية ذات أبعاد متنوعة تمس حاضر ومستقبل المواطن!

في حين أنه وبالتعامل الرقابي السياسي مع هذه القضية المهددة للاستقرار والتوازن الاجتماعي بما تفوح به من رجس تنابز طائفي واسع بالألقاب «روافض، نواصب» تغض الطرف وتتجاهل منتدى آخر أنشئ كما الأول تحت مسمى وطني إلا أنه تفوح منه روائح طائفية بشعة منفرة لا تحتمل، إذ يتم بتواصل دؤوب العمل على تطييف جميع القضايا والأزمات والمشكلات الوطنية من خلال هذا المنتدى أيضا بشكل أكثر سطحية وجهلا يعكس هوية غالبية أعضائه بسطحيتهم وضحالتهم الثقافية المحرجة، إلا أن هذا المنتدى الطائفي الذي يختلف في ظروف نشأته عن المنتدى الآخر المغضوب عليه لكونه يحمل حسا سياسيا معارضا، في حين أن المنتدى الطائفي المسموح به يكشف عن هيمنة للحس السياسي الموالي للرؤية الرسمية وعن تمجيد في كبار المسئولين وأعضاء الكتل النيابية الموالية في البرلمان، فأصبحت الأزمة الاجتماعية إشكالا سياسيا بالنسبة للتعامل الرقابي الناقص لوزارة الإعلام!

وكأنما بات مسموحا ومفهوما لدى الجميع التحدث بالنفس والحس الطائفي وتكفير الآخرين ولعنهم وإثارة الفرقة والبلبلة والتشويش المهدد للاستقرار الوطني واختلاق الشائعات الكبرى بشرط الالتزام بالتوافق السياسي الموالي وبالتمجيد في بعض شخوص مسئولي الدولة ؟!

لو كانت الوزارة والجهة المسئولة جادة في صد من يود أن يهدد استقرار البلد بشتائم إلكترونية أو بنفس طائفي مقيت لما ظهرت إلى السطح تلك التغليبة السياسوية العقيمة والازدواجية المعيارية في تعاملها مع المواقع والمنتديات الإلكترونية المصابة بالتطييف!

فهل الطائفية في منظور وزارة الإعلام، والتي يعتبرها وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة الخطر الأول على الوطن، تنزاح خطورتها وتتبخر سميتها المهلكة لمجرد حدوث تغيير في النبرة واللهجة والخطاب السياسي أو حتى تبدل في الولاءات؟!

أم أن الأمر أعقد من ذلك بكثير فهي، أي الطائفية، أزمة اجتماعية ضاربة بجذورها وتتغذى من مثيرات ومسببات داخلية متجذرة طبيعيا وطارئة اصطناعيا، وترفد بمجريات الساحات الإقليمية المشتعلة، وأنه من أجل التصدي لمثل هذا الخطر الأول المزعزع للاستقرار الوطني تبرز الحاجة إلى تعاضد مؤسساتي أكثر نجاعة وفاعلية، وإلى رؤية عملية أكثر عمقا وروية ومقاربة للعناصر المختلفة!

عذرا على هذا العتاب القاسي فقد أفهمنا إغلاق «الإعلام» لبعض المواقع الإلكترونية، وتجاهلها لمواقع إلكترونية أخرى تثير بلبلة وشوشة سياسية أننا في بلد التسييس وفي الوقت نفسه الادعاء بنقضه أو تلبيسه كالعادة لجميع قوى المعارضة الإصلاحية الوطنية وما ترفعه من قضايا وطنية متعددة!

كما أننا استوعبنا درسا فحواه «من أراد أن يحتفظ بذخيرته الطائفية المتفجرة في هذه البلاد على أحسن وجه عليه أن لا يتردد في التوحد مع معسكر الموالاة والمحافظة السياسية الرسمية والتسبيح والتمجيد بكبار المسئولين بالدولة لينعم بتفريغه وشحنه وتحريضه الطائفي لأكبر مدة ممكنة»!

مثل تلك التصرفات والإجراءات العقيمة أصلا في عالم أكثر حداثة وانفتاحا ورحابة كأنما توحي للمراقب بوجود تعامل طائفي مقنع، أو تنم عن استعداد للتضحية بسلامة جسد المجتمع والوطن لعيون حسابات السياسة وألاعيبها وأجندتها، ليزداد ملء الفراغ والشقاق الطائفي المعزز إلكترونيا بسكب المزيد من وقود النار الجهنمية عبر اتباع أساليب غير حكيمة أبدا، وتستلزم تصورا جذريا بمعالجة الذات وتصحيح أخطائها قبل التسيد الرقابي المسيس على الآخرين باسم تطبيق القانون وحفظ الاستقرار العام!

إقرأ أيضا لـ "خالد المطوع"

العدد 1758 - الجمعة 29 يونيو 2007م الموافق 13 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً