العدد 1756 - الأربعاء 27 يونيو 2007م الموافق 11 جمادى الآخرة 1428هـ

لا تنقصنا القوانين بل ينقصنا تفعيلها

عبدالحسن بوحسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

«القانون يطبق على الجميع على حد سواء». هذا ما تناقلته الصحافة عن مالك حظور المالكية. ان تولد مثل هذا الاعتقاد في المجتمع له دلالات كبيرة، فتجاوز البعض للقانون لا يبرر تجاوزات البعض الآخر. فمن له القدرة إذا على كسر هيبة القانون؟ وتقويض الأسس التي تقوم عليها الدولة والمجتمع دون اخضاعه لمجريات العدالة؟ إنهم فئات ودرجات اجتماعية. فمنهم من يعبث بالقانون تحت مبررات سياسية، ومنهم من يعتقد بأنه خلق هكذا ليكون فوق القانون، ومنهم من اوكلت له مهمة تطبيق القانون ولكنه يتجاوزه بشكل فاضح أو يطبق بنوده بانتقائية ومزاجية، وهذه الفئة هي محور هذا المقال لأنها الأخطر بسبب ماتملكه من سلطات وصلاحيات لوضع القانون موضع التنفيذ. وهذا بالطبع لا يستثني سلطات أخرى منحها الدستور سلطة وضع ومراقبة تطبيق القوانين كالسلطة التشريعية، او حراسة مصالح الفرد والمجتمع والتأكد من نفاذ تطبيق القوانين على الجميع وسلامة التنفيذ، كالسلطة القضائية. فهذه الجهات مجتمعة إذا ما تناسقت وتكاملت في تنفيذ أدوارها وفق المادة (32) من الدستور فإن المجتمع بخير، وإذا عبث بعضها وتجاوز صلاحياته فإن البذرة لتقويض أسس المجتمع يكون قد تم غرسها، وفي ذلك خراب للأوطان، وهذا ما عرفته البشرية منذ عهد حمورابي حتى الآن.

في مملكة البحرين (دولة القانون) لا تنقصنا القوانين. فالميثاق وكذلك الدستور، والقوانين المستمدة احكامها من نصوصه واضحة وصريحة فالمادة (11) من الدستور نصت على أن الثروات الطبيعية جميعها ومواردها كافة ملك للدولة. لكننا في الجانب الآخر نرى جل أراضي وسواحل وبحار المملكة قد تحولت إلى ملكيات خاصة خلافا للدستور.

وعندما ينص القانون على اعتبار خليج توبلي منطقة محمية، وينص المرسوم بقانون رقم (2) لسنة 1995 بشأن الحماية الفطرية على المبادئ ذاتها، نرى أن الخليج تتقلص مساحته لصالح افراد ويستمر تلويثه من قبل اصحاب المصالح الخاصة ومحطة معالجة مياه المجاري التابعة لوزارة الاسكان والاشغال على حد سواء، كل ذلك على رغم الشكاوى المتعددة الصادرة بهذا الشأن، وتحذيرات الهيئة العامة لحماية الثروة البحرية والبيئة والحياة الفطرية من المبالغة في العبث بالبيئة والحياة الفطرية.

وعلى رغم أن قانون المرور لا يجيز لصغار السن ومن هم دون سن الثامنة عشرة السياقة على الطرقات فإن الكثير من صغار السن يجوبون الشوارع العامة بسياراتهم الخاصة معرضين حياتهم وحياة الآخرين للخطر، كل ذلك على مرأى ومسمع من الجهات المختصة. لن نتحدث عن البلديات وقانون البناء فالشواهد واضحة للعيان وكان آخرها دفن ساحل صدد من دون ترخيص كما تناقلته الصحافة المحلية وبناء مجمع تجاري في منطقة سكنية من دون ترخيص أمام علم ومرأى جميع الجهات المختصة التي لم تقم بإيقافه منذ البداية كما يتم التعامل مع الحالات الاخرى بكل حزم وصرامة. في تنفيذ قانون البناء هناك تجاوزات بترخيص على شكل استثناءات تمنح للبعض دون الآخر. إلا أن البعض لديه من الثقة والقدرة ما يمكنه من كسر القانون دون الحاجة لثني القانون كمحاولة استخراج الاستثناء الذي يمنح للبعض احيانا.

عندما يصبح الاستثناء للقانون هو القاعدة في دولة القانون وتتجاهل الجهة التنفيذية المسئولة عن تنفيذ القانون الأداة التنظيمية التي تؤطر لأسس عملها وتحكم طريقة إدارة شئونها فإن الأمر يغدو في غاية الخطورة. صحيح لا توجد آلية مثالية لتطبيق القانون بشكل مثالي في أي مكان في الدنيا، إلا أن ثني القانون Bend the law يختلف تماما عن كسره Break the law.

في شهر ابريل/ نيسان الماضي وجه عضو مجلس الشورى السيد مكي هاشم سؤالا إلى وزير شئون مجلس الوزارة بشأن إصدار اللائحة التنفيذية لقانون الخدمة المدنية. فاللائحة التنفيذية هي الأداة المنفذة للقانون، وعدم إصدارها في المدة التي حددتها المادة (83) من القانون وهي ستة أشهر يعني تعطيل تنفيذ أحكام القانون واستمرار العمل بالآليات التي سبقت إصداره. ديوان الخدمة المدنية لم يصدر اللائحة التنفيذية حتى الآن. وجاء رد رئيس ديوان الخدمة المدنية على عضو مجلس الشورى ليؤكد وقوع المخالفة دون طمأنة المجلس على نيته لإزالتها. فديوان الخدمة المدنية لا ينفذ احكام قانونه هكذا بكل صراحة ووضوح على رغم ان القانون جاء في الأصل كمقترح من السلطة التنفيذية وادخلت عليه تعديلات من السلطة التشريعية يبدو ان قبولها قد تم على مضض ما يفسر تعطيل تنفيذ أحكامه. الديوان يتجاهل تطبيق المادة (13) والمادة (14) من القانون المستمدتين أصلا من المادة (16) والمادة (18) من الدستور. وهي المواد المتعلقة بنظام الجدارة. فالديوان مرر اجراءات لتوظيف ما يزيد على ألفي شخص في الخدمة المدنية من دون تطبيق أحكام القانون المتعلقة بالإعلان عن الشواغر، وفق آلية الاختبارات الوظيفية. ديوان الخدمة المدنية يحبذ العمل بآلية المحاباة وتوزيع الغنائم Spoils System على آلية الجدارة Merit System وبمعنى آخر فهو يقحم السياسة في الإدارة وينحو بالإدارة الحكومية منحى خطيرا مرت به دول شمولية آخرى فكان نصيبها التخلف والتحلل الاقتصادي والانهيار السياسي.

نتحدث عن الاقتصاد والتنمية ولكننا نقحم السياسة في الإدارة ونشغل المواطنين بها، ونبني جل قراراتنا الاقتصادية على اعتبارات سياسية من شأنها تقويض التنمية التي نبتغيها. التنمية الاقتصادية في حاجة إلى قوانين مفعلة لحماية مصالح المستثمرين وتسهيل إجراءاتهم. والتنمية تعني الابداع الذي يتطلب تفعيل العقل والتفكير السليم. وعندما يكون تقييمنا للمواطن الصالح بأنه الفرد الذي يفكر في اتجاه واحد حتى لو كان غير ذي جدوى، فإننا أمام تنمية مؤقتة تعجز عن تحفيز العقل من أجل الابداع وتأهيل الفرد للإنتاج. لذلك نكتفي برمي البرسيم أمامه كالبهيمة حتى لا يموت جوعا بدلا من تدريبه على صيد السمك. وهكذا يصبح الفرد طاقة معطلة يستحق الرعاية بقانون ضد التعطل في بلد تشكل فيه العمالة المستوردة 65 في المئة من مجموع القوى العاملة.

إن إصدار القانون لا يغني عن تفعيله وإلا أصبح الهدف من إصداره دعاية إعلامية موجهة للداخل والخارج، وحتى هذا الهدف لن يصمد طويلا ولن يغني عن حاجة المجتمع لقانون فاعل ينظم العلاقة بين افراده ومؤسساته ويحميه من الفوضى البدائية واسلوب حياة الغاب.

الكل منا مسئول عن احترام القانون، ولكن المسئولية أكبر على من أوكلت له مهمة تنفيذه، والمسئولية كبيرة على من أوكلت له سلطة الرقابة على التنفيذ، وهي كبيرة ايضا على السلطة القضائية المسئولة عن ردع المخالفين والتأكد من تنفيذ الأحكام القضائية الصادرة عنها. فالمبالغة في تأخير إصدار الاحكام وتعطيل تنفيذها هو وجه آخر من أوجه المأساة التي يعيشها أي مجتمع لا يلتزم بقوانينه.

الرقابة المالية تكشف المخالفات المالية ولكن آلية متابعة التقويم ناقصة. جهاز الرقابة الإدارية الذي يكشف المخالفات والممارسات الإدارية الخاطئة غير موجودة على رغم نص ميثاق العمل الوطني على وجوب تشكيله كجهاز مستقل. خلال فترة العمل والتدريب في الولايات المتحدة أثار انتباهي تعدد اجهزة الرقابة. فهناك رقابة داخلية في كل جهاز، ورقابة أخرى مركزية خارجية تابعة للسلطة التنفيذية، وأجهزة رقابة خارجية تابعة لجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني، بالإضافة إلى أجهزة رقابة إدارية أخرى وأخرى مالية تابعة للسلطة التشريعية. فاستفسرت عن السبب لهذا الكم الهائل من أجهزة الرقابة، فكان الجواب، إن إلزامية تنفيذ القانون وتطبيقه على الجميع، وحماية المال العام وحقوق المواطن، وضمان استقرار المجتمع يستحق كل هذا الكم من أجهزة الرقابة. فقد جربنا البدائل واكتشفنا أن الكلف باهظة ولا نقوى على تحملها. فالشراكة المجتمعية هي الضمان الآخر لسيادة القانون. وعلى رغم ذلك لا تخلو الساحة من تجاوزات فأساليب الالتفاف على القانون متعددة الأوجه ولن يمكن الحد منها إلا بأجهزة فعاله ومرنة ضمن مفهوم التوازن Checks&Balances.

إن السلطة التشريعية تتحمل وزر انشغالها بالسياسة على حساب التشريع والرقابة. فدولة القانون لاتقوم الا باستقلالية السلطات وفصلها وتعاونها وفقا لما نصت عليه المادة (32) من الدستور. وإذا ما انشغل جل اعضاء هذه السلطة بالسياسة الضيقة وفقدوا الحيادية والحرية اللازمة لممارسة سلطاتهم، فإن تفعيل القانون وتنظيم العلاقة بين أفراد المجتمع ومؤسساته سيكون حلما يراودنا، وسيضج غيابه من مضاجعنا جميعا مسئولين ومواطنين طال الزمن أم قصر، حينها لن تكون هناك دولة قانون نتغنى بها، والتاريخ مليء بالعبر.

إقرأ أيضا لـ "عبدالحسن بوحسين"

العدد 1756 - الأربعاء 27 يونيو 2007م الموافق 11 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً