تثار من وقت لآخر قضية تعثر الإصلاحات، وعملية التحول الديمقراطي في المنطقة العربية، ومن المسئول عن هذا التعثر؟ هل هي الولايات المتحدة التي تغيرت أولوياتها أم هي أنظمة الضغط الأميركي، ثم استشعرت حاجه الولايات المتحدة إليها في استراتيجية احتواء الدول والحركات المتطرفة، لتعود إلى قواعد تسلطها سالمة؟ أم هي قوى التغيير العاجزة عن استنهاض الجماهير وتنظيمها لغرض الإصلاح والتغيير؟
هذا الموضوع يستحق مناقشة موضوعية، تحدد مسئولية كل طرف فليس أسهل من أن نرمي مسئولية تعثر الإصلاح بل وتراجعه على الولايات المتحدة بحجة أنها تبنت استراتيجية الإصلاح والتحول الديمقراطي بعد حوادث 11 سبتمبر/ أيلول 2001 واعتمدتها كأحد ركائز السياسة الخارجية الأميركية، ثم تراجعت عنها في ضوء تغيير الأولويات.
يجدر بنا أن نقر أن أوضاعنا العربية، تدهورت بحيث أضحت تهدد باندلاع حروب أهلية طائفية، أو قومية أو دينية أو غيرها، على غرار ما يحدث في العراق، وما تنذر به الأوضاع في لبنان وفلسطين بل إمكان إندلاع حرب أميركية أخرى في الخليج ضد إيران وتورط الدول العربية في هذه الحرب، إذ ستتحول الحروب السابقة إلى لعبة مقارنة بالحرب المرتقبة.
ولنحاول أن نفكك الموضوع إلى عناصره الأولية:
لنبدأ بالأرضية التي ستقوم عليها عملية الإصلاح والتحول الديمقراطي المنشود. على خلاف ما هو شائع في أن المنطقة العربية من أغنى المناطق، وخصوصا أنها المصدر الأول للنفط الذي ارتفعت أسعاره كثيرا، ودر الملايين على منتجيه، وخلافا لما هو شائع أن ما يجمعنا لا يتوافر للأمم المتحدة من حيث انتماء الغالبية إلى الدين الإسلامي، والهوية العربية، والتواصل الجغرافي والتاريخ المشترك، مع وجود أقليات دينية وقومية وأثنية متعايشة مع الغالبية على امتداد، قرون، فإن واقع الأمر ليس كذلك إذ أضحى الحديث عن خطر العرقنة، بمعنى الاقتتال الطائفي من أن يمتد إلى بلدان أخرى حديثا واقعيا، بعد أن كنا نستبعد أن يحدث شيء من ذلك في العراق. وأضحى غياب الديمقراطية في البلدان العربية، ليس مقارنة بالدول الغربية ولكن مقارنة بدول آسيوية مثل ماليزيا أو إفريقية مثل السنغال، واضحا لكل ذي بصيرة، وعلى رغم مظاهر الغنى الفاحش والمداخيل المليونية، فإن الفقراء يزدادون في الوطن العربي وهم موجودون حتى في بعض البلدان النفطية.
الأمية في إزدياد على رغم ثورة المعلومات، أما البطالة فهي الخطر الداهم، في أمة يافعة، إذ يدخل الملايين إلى سوق العمل سنويا من دون أن تتولد فرص عمل كافية لاستيعابهم، ويقدر تقرير التنمية الإنسانية الثاني بأنه بحلول العام 2010 سيكون هناك ما يزيد عن 100 مليون عربي عاطل عن العمل غالبيتهم من الشباب.
تهميش الشباب (أمل المستقبل) على مختلف المستويات واضح وفي كل المؤسسات، في الدولة والمجتمع المدني، في مؤسسات الحكم، ومؤسسات المعارضة، في ظل سواد عقلية الاستبداد الذي يبدأ بالعائلة. التقرير الثالث عن التنمية الإنسانية والمخصص لأوضاع المرأة، يؤكد بما لا يدع مجالا للشك أن نصف الأمة (النساء) يتعرضون للتهميش والتعطيل والقمع، وأن ما تم إنجازه بعد ربع قرن من مؤتمر بكين عن المرأة لا يعدو أن يكون محدودا ولتجميل الصورة.
من أهم نتائج هذا الوضع الكارثي هو انعدام الآفاق في المستقبل، وهكذا فإن أمام الشباب العربي، إما الانضمام إلى المنظمات الأصولية والإرهابية، أو مغالبة الحياة أو الهجرة إلى الغرب.
إننا أمام وضع عربي متأزم ينذر في أكثر من بلد بالتحول إلى العنف فهناك 3 بلدان عربية وهي العراق والسودان والصومال، تشهد حربا أهلية وهنا اشتباكات مسلحة يومية في فلسطين المحتلة تنذر بحرب أهلية تحت الاحتلال الإسرائيلي وياللغرابة هناك مناوشات في لبنان الذي صمد أمام «إسرائيل»، وانتقم من نفسه بالانزلاق لنذر حرب أهلية فشلت «إسرائيل» في إشعالها، وهناك عمليات تخريبية من قبل تنظيمات أصولية في أكثر من بلد عربي، آخرها في اليمن ولم تنجح العمليات العسكرية الأمنية إلا في الحد منها، وفشلت في استئصال جذورها.
إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"العدد 1756 - الأربعاء 27 يونيو 2007م الموافق 11 جمادى الآخرة 1428هـ