سجل الجزء الثالث من «الرجل العنكبوت» أرباحا هائلة على شباك التذاكر في العالم واحتل المركز الثالث في الترتيب من بين أكثر الأفلام جاذبية للجمهور. جذب الشريط السينمائي جمهورا إلى مشاهدته حتى في البحرين، إذ يعرض في سينما الدانة منذ أسابيع.
السؤال: لماذا تكتسب مثل هذه الأفلام شعبية في وقت تفشل الكثير من الأشرطة الجادة التي يُنفق عليها الملايين وتحتوي على مجموعة ممثلين وتتحدث عن قصة راقية؟
الجواب فعلا بحاجة إلى دراسة سيكولوجية للمشاهدين. إلا أن الواضح من شباك التذاكر أن الجمهور الذي يتوجه إلى متابعة الأفلام العادية يزيد على ذاك الذي يهتم بالدراما المعقدة والمتعبة. فالكثير من المشاهدين يتوجهون إلى السينما بقصد التسلية أو الضحك أو تضييع الوقت هربا من تعب اليوم أو إرهاق العمل. والقليل من المشاهدين يتعامل مع السينما بوصفها ذاك الفن المعاصر الذي يجمع عناصرَ مختلفة في سياق واحد.
فيلم «الرجل العنكبوت» يخاطب هذا الجمهور البسيط في وعيه ولكنه أيضا يتعامل معه باحترام وتقنية ومن دون ابتذال. فالشريط بسيط في قصته فهو يتحدث عن صراع الخير مع الشر ودور الإنسان في الاختيار بينهما. ففي داخل كل إنسان هذا الجزء الشرير ويبقى على الشخص أن يختار طريقه. فالشر يغري ويجذب الإنسان عادة وهناك الكثير من البشر يتورطون به طمعا أو حبا للكسب غير المشروع أو لفرض السلطة واستخدام الأساليب السيئة ضد الآخر. وهناك من البشر من يلجأ إلى الشر حين تقفل أمامه المعابر والطرقات ولا يجد سوى هذا الطريق لسلوكه. وأيضا هناك بشر يرفضون تقمص حال الشر مهما كانت الأسباب والدوافع؛ لأن طبيعتهم وتكوينهم ونفسيتهم لا ترغب في السير في هذا الطريق. هذه هي الفكرة التي يدور حولها الجزء الثالث من «الرجل العنكبوت». والفكرة بسيطة ولا تحتاج إلى جَهْد في التفكير ولذلك تتمتع بجاذبية للجمهور الذي يتعامل معها ببساطة ومن دون تعقيد. ومثل هذه الأفكار السهلة تستقطب الناس من كل الاتجاهات والألوان والطبقات والثقافات. فهي في جوهرها عامة وغير منحازة وتخاطب مساحة إنسانية واسعة عند البشر.
إلى الفكرة البسيطة، يتميز شريط «الرجل العنكبوت» بصناعة سينمائية رفيعة المستوى تقنيا. فالفيلم مثير وشيق إذ يمزج بين عالم البشر المحدود الإمكانات والقوى بعالم الأقوياء الذين يتمتعون بطاقات خارقة تتجاوز قدرات الإنسان. وهذا المزج البسيط بين عالمين (القوة والضعف) إضافة إلى صراع الأشرار ضد الأخيار وحاجة الإنسان الضعيف إلى قوة منافسة تحميه من الأخطار يفسر إعجاب الناس بهذا النوع من الأفلام التي تحرك المشاعر الدفينة وتلك الرغبة في الحماية التي يتشوق إليها المشاهد في عالمه اليومي.
«الرجل العنكبوت» شاب في مقتبل العمر يمارس مهنة الصحافة (مصور) للتغطية ويتظاهر أمام أصحابه بالضعف ويُكَلَّف أحيانا بملاحقة أخبار «العنكبوت» لمعرفة أفعاله وأسراره. يقابل هذا الشاب الغامض الذي يحب الناس ويرغب في مساعدتهم الآخر وهو «شرير» تتوزع أدواره ثلاث شخصيات واحدة تنافسه تقليديا مستخدمة تقنياتٍ وأخرى شاب صحافي كريه وحاقد وثالثة أب ارتكب جريمة خطأ لأنه أراد سرقة المال لشراء الدواء لابنته المريضة.
مجموعة الأشرار هذه تدخل في صراع مع الشاب «العنكبوت» لأسباب مختلفة منها ما يتصل بالجشع والطمع وحب التسلط والقهر وإذلال الآخر ومنها ما يتصل بضعف الإنسان ودافع الحاجة.
نهاية الفيلم طبعا ستكون لمصلحة الخير الذي يقوده «العنكبوت» ضد الأشرار. ولكن الفكرة الشريط ركزت على أن الشر يتمتع بالقدرة الفائقة على الغواية واستدراج الناس الطيبين إلى الوقوع في فخه، وهذا ما كاد يحصل للشاب «العنكبوت» حين أغراه الشر وكاد يورطه في ألاعيبه. ولكن الإنسان الجيد في طبيعته والطيب في قلبه والمحب للناس يستطيع الخروج من الورطة حين يحكِّم عقله وضميره. وهذا ما فعله الشاب «العنكبوت» حين نجح في الإفلات من الفخ والعودة إلى طبيعته الأصلية ومعدنه الشريف.
الشريط بسيط ولكنه محبوك بأسلوب جاذب وتقنية عالية. وحين تتوافر كل هذه العناصر والشروط في فيلم واحد يكتسب فورا الشهرة وإعجاب المشاهدين وهذا كافٍ لكسب الجمهور إلى شباك التذاكر وتسجيل أرقام قياسية في الأرباح المالية.
العدد 1756 - الأربعاء 27 يونيو 2007م الموافق 11 جمادى الآخرة 1428هـ