من المؤمل أن تكون انطلقت مساء أمس ندوة عامة، فيما يعتبر مؤتمرا وطنيا نحو «الحقيقة والإنصاف والمصالحة»، بمشاركة خمس جمعيات سياسية، وست جمعيات ولجان حقوقية، في مناسبة «اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب» الذي تحرص هيئات المجتمع المدني على إحيائه سنويا منذ انطلاق عهد الإصلاح.
هناك جديدٌ في البحرين هذا العام، ونحن نراهن على هذا الجديد، تغليبا لروح التفاؤل، ولكيلا يموت الأمل عند الناس فتكون هناك اندفاعات في طرق أخرى نحو التنفيس عن الغضب والاحباط.
من المهم الإقرار بوجود مشكلة حقوقية/ سياسية معلقة، لم نحسن التعامل معها فظلت كالجرح القابل للنكء بين فترة وأخرى. تجاهل وجود هذه المشكلة ليس صحيحا، خصوصا أننا لسنا دولة مثالية، ولا ندعي أننا جمهورية أفلاطونية، من هنا لا ينبغي التحسس من الاسترشاد بتجارب الآخرين. فأمامنا ثلاثون دولة أخرى في مختلف قارات العالم، مرت بتجارب سياسية مريرة، وكل منها حاول الخروج منها بطريقته الخاصة، ونجح بهذه الدرجة أو تلك. أما الانغلاق على النفس، واعتبار تجربتنا من أرقى التجارب من دون أن نمتلك الاستعداد للاعتراف بالخطأ، أو تصحيحه، فهذا أمر يحتاج إلى مراجعة صادقة مع النفس.
لسنا في عالم مغلق حتى ننغلق على أنفسنا ونعيش في شرنقتنا، والحكيم من استفاد من تجارب غيره ليخرج بتجربة إنسانية ترفع رأسه بين الأمم. الشعوب اللاتينية في السلفادور وتشيلي والأرجنتين وغواتيمالا ليست أفضل منا. الشعوب الإفريقية لها تجارب في المصالحة الوطنية، من غانا وسيراليون إلى جنوب إفريقيا، فلماذا نركب رأسنا ونصرّ على أننا لا نحتاج إلى مصالحة وطنية؟
إلى الشرق منا، هناك تجارب لجيراننا الآسيويين، من تيمور الشرقية إلى كمبوديا، خرجوا من عهودهم السوداء إلى بر الأمان، فلماذا نصر على أن حياتنا كلها عسل، ولم يكن هناك أي انتهاك لحقوق الإنسان؟
في حديثي مع بعض الناشطين في مجال حقوق الإنسان، لمست لدى بعضهم شعورا بالإحباط من جراء الاختلافات الداخلية من جانب، ومن جانب آخر مماطلة الحكومة وعدم تجاوبها مع أية خطوات إيجابية لطيّ الملف ومعالجة آثار الماضي، وتردّدها في تناول هذا الملف الوطني الإنساني، فهي تقدم رجلا وتؤخر أخرى. مع ذلك لدينا أملٌ كبير في الوصول إلى توافق بين الأطراف المعنية، فالرهان ليس على اللحظة الراهنة، بل على المستقبل القريب. فمهما امتدت المماطلة، فلابد أن يأتي يوم يقتنع فيه الطرف الرسمي بعدالة الحركة الحقوقية السلمية التي لا تطالب بأكثر من إنصاف المظلومين وإعادة الاعتبار للمعذّبين والشهداء من أبناء الحركة الوطنية، على اختلاف تلاوينهم الفكرية والسياسية.
إن تاريخ جنوب إفريقيا، سيحتفظ باسم القس ديزموند توتو، الذي عرف بنشاطه ضد سياسة التمييز، وترأس «لجنة الحقيقة والمصالحة»، التي قال عنها: «بفضل سياسة التذكر والصفح والغفران، أصبح بمقدورنا أن نحقّق السلام مع أنفسنا، وأن نسلم كوابيس الفترة الماضية إلى صفحات النسيان».
يبقى مهما قيل في الأيام الماضية، فإن هناك أملا كبيرا بالوصول إلى الحقيقة يوما ما... فهذا الشعب يستحق تعاطيا أفضل مما يجري حاليا من مماطلة وتسويف، وما يقوم به الحقوقيون إنما هو بذرة صغيرة يستنبتونها في تربة هذا الوطن الطيب بأهله وناسه، فلا تيأسوا ولا تستعجلوا أن تخرج الثمرات من أكمامها حتى ولو بعد عشر سنوات، فنحن نراهن على قوى الخير في هذا الوطن، سواء في الجانب الرسمي أو الأهلي، للوصول إلى تجربة بحرينية إنسانية ناضجة يحق لنا أن نفاخر بها أمام الشعوب الأخرى.
إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"العدد 1755 - الثلثاء 26 يونيو 2007م الموافق 10 جمادى الآخرة 1428هـ