طبعا، هي ليست برائحة المجاري التي تفوح من خليج توبلي، وليست برائحة الأسماك النافقة على سواحل البحرين بكميات هائلة، وليست برائحة المياه الآسنة في محمية سند، ولا برائحة المخلفات على سواحل البحرين...

إنها رائحة التعدي على الثروات الطبيعية والبحرية منها تحديدا، والغريب أن الجهات المعنية بضبط النظام تحولت إلى شرطة فيلم هندي، فبعد أن يموت البطل وتحرق المدن تصل الشرطة بسياراتها معلنة ضبط الأمن!

هي آه تصدر من كل بحريني على ما تراءى لهم في هذه السواحل المسكينة، هي حرقة وغصة على ما حل بها حتى وصلنا إلى نفوق الأسماك التي أعلنت هجرتها عن بيئة لم تعد صالحة لسكناها... وبعيدا عما حل بهذه الأسماك، ولأن سبب موتها كان موجودا منذ فترة طويلة، يبقى السؤال: ما مصير البطون التي ظلت تأكل من أسماك هذا البحر المليء بالملوثات؟ وإلى متى ستظل الجهات المعنية تغض ببصرها وتلوح بنظرها عن اغتيال البيئة؟

وبعد الذي جرى لا نستبعد بأن يصيب أسماكنا مرض «خبل السمك»، ولا ننسى أن بعض البحارة شاهدوا أسماكا بها تشوهات جراء الملوثات التي ترمى في مياه البحر، وكتجربة شخصية، شاهدت بعض الأسماك المشوهة بالقرب من خليج توبلي...

نعم، لقد اكتشفت الجهات المسئولة أنبوب المجاري في خليج توبلي، ويا له من اكتشاف نقف له بتقدير واحترام! وكأن منطقة خليج توبلي تقع في غابات لا يمكن الولوج إليها إلا بشق الأنفس، وكأن منطقة توبلي لا تصيب المارة بهلوسة الروائح النتنة... ربما لأن المسئولين لم يكتب لهم المرور على هذه المنطقة، وحتى لو مروا لا نظن بأنهم سيفتحون نوافذهم لاستنشاق تلك الرواح البديعة!

إن الرائحة و«الفضيحة» التي فاحت أخيرا من خليج توبلي، ومشاهد نفوق الأسماك على السواحل، هي ليست الخاتمة لما يجري، ولو كنا في مكان آخر لقلنا إن المسئولين سيمثلون أمام القضاء لاعتدائهم الصارخ على البيئة، وتسببهم بالضرر للمواطنين، ولكن ليس لهذا الحديث مكان لا في هذه الكلمات ولا في هذا المكان طبعا.

إذا ما المطلوب بعد أن فاحت رائحة أيادي المتنفذين والعابثين في البيئة؟ المطلوب هو تشكيل لجنة بصورة عاجلة لكشف بؤر الفساد ومحاسبة كل من سولت له نفسه تدنيس خليج توبلي أولا، وسواحل ومياه بحر البحرين... وحتى ذلك الحين، نتمنى ألا نقبر قبل أن نشهد ذلك.