ما زلنا نعيش زمن الإقطاعيات، فمتنفذ هنا، وآخر هناك. وفي زمن الاقطاعيات لا حاكمية للدولة، ولا قانون للدولة، ولا هيبة للدولة، ولا أمر للدولة. والأهم من هذا وذاك، أن لا ضرائب في دولة الإقطاعيات إلا باستخدام العنف، عبر ما عرفت تسميته بنظام «السخرة».
متنفذ في «المالكية»، وآخر في «صدد»، وأخرون لا يعلمهم إلا الرب. وفي جانب هذه الحزمة من المتنفذين والمتنفذات يقف المواطن البحريني أمام «الدستور» و«القانون» مجمدا، فلا تعديلات دستورية إلا عبر الدستور، ولا تعديلات في القانون إلا عبر القانون. لكن المتنفذ في هذا البلد، لا يحتاج أن يمر من خلال «الدستور» أو «القانون»، فالدولة، دولة على الفقراء، وهي إقطاعية لعلية القوم من الكبار والمتنفذين.
الذين طالبوا بتطبيق قانون الإرهاب على من يحرق إطارا في شارع عليهم اليوم أن يطالبوا بتطبيق قانون الإرهاب من باب أولى على من يرهب «الدولة» نفسها إذ تعجز أن تطبق قوانينها. لا تستطيع «الدولة» عبر أجهزتها أن تزيل «حظور» مخالف المالكية إلا حين يرضى المتنفذ لكنها تستطيع بسهولة أن تعتقل من يخالف القانون إن كان المتنفذ هنا مجرد مواطن فقير، لا حول له ولا قوة.
تتحول الدولة هنا لما يشبه «الكعكة»، وعلى كل بحريني أن يستقطع الجزء الذي يستطيع أن يظفر به في هذا الحفل المفتوح/ الدولة المفتوحة. لا حدود ولا قانون في شريعة أكل «الكعك» السائب. ودعوات الحفل مفتوحة للمواطنين والمقيمين على حد سواء. ثمة في البحرين مهرجان للكعك، من يأكل أكثر من الآخر، وبعبارة أصح، من يقضي على «الدولة» قبل الآخر؟
الاهتمام بخيار الدولة/ الدعوة للدولة/ الترويج للدولة/ الحث على احترام خيار الدولة/ احترام قوانين الدولة/ تطبيق ما تراه الدولة نشأ تحديدا في خطابنا الإعلامي مع الحالة اللبنانية عقب حرب حزيران. خرج حزب الله على «الدولة» فأيد من أيد، ودافع من دافع، وتحدث باسم الحفاظ على الدولة من تحدث، لبنانيا كان المهمل هو أن دعاة الحفاظ على «الدولة» كانوا هم أنفسهم من يتجاهلون أنظمتها. اليوم في البحرين، نعايش المشهد ذاته، الذين يتحدثون عن الدولة/ دستور الدولة/ قانون الدولة هم من لا يستمعون لدستور الدولة، وهم من لا يكترثون لقانون الدولة وحاكميته. فلا يزايد أحدٌ ما على الارتهان لـ «الدولة» ودستور «الدولة» وقانون «الدولة» حين تصبح الإقطاعيات حقيقة يقابلها حلم مزعج مصنوع لقهر الفقراء باسم «الدولة».
إقرأ أيضا لـ "عادل مرزوق"العدد 1755 - الثلثاء 26 يونيو 2007م الموافق 10 جمادى الآخرة 1428هـ