ما إن لوح لنا البرد في الأفق البعيد وأخبرنا أن الشتاء قد اقترب، حتى وجدنا الناس، وبشكل أخص الأهالي، يتهافتون على الأسواق والمجمعات لشراء ألبسة شتوية تحمي أولادهم من تقلبات الطقس ومزاجيته.
دخول موسم الشتاء من أكثر المواسم التي تدفع الناس باتجاه الشراء والتسوق، وخصوصا أن الطقس في بلداننا يعيش نقلات نوعية وأحيانا من دون سابق إنذار، فمن درحات الحرارة العالية إلى درحات حرارة منخفضة، ليست منخفضة جدا، إنما كفيلة بتحريك الناس باتجاه التسوق الشتوي.
التسوق وفقا للمواسم أمر يحدث في كل مكان، ففي كل العالم ينشط التسوق في فترات الأعياد، والمناسبات العامة، ودخول فصول جديدة يتغير فيها الطقس، وفي مواسم التنزيلات والعروض.
وكثير هم الذين ينتظرون حتى آخر لحظة ليهيئون أنفسهم للفصل الجديد أو للمناسبة التي تحتاج لبعض الملابس والاحتياجات الجديدة.
وعلى الرغم من أن التسوق قد يكون حاجة ضرورية للبعض، إلا أن التسوق بات لدى الكثيرين نوع من الترفيه وتمضية الوقت، كما بتنا نرى مهوسين ومدمنين على التسوق، والتعبير الأخير لم يعد تعبيرا مبالغا به، فوقت الفراغ، الحملات الدعائية الكبيرة التي تقوم بها الشركات، ووسائل الإعلام، وزيادة عدد الأسواق والمجمعات وبالتالي الخيارات، وتفشي الظاهرة ما بين الناس، كلها كانت عوامل ساعدت بشكل أو بآخر على وصول عادة التسوق لدى البعض لحد خارج عن السيطرة ولو جزئيّا، ولا تقتصر هذه الظاهرة على المترفين، فحتى متوسطي الدخل ممن لا يستطيعون مجارات العروض والكم الكبير من الخيارات، فإنهم باتوا يدخلون في هذا الأمر.
ورغم أن اقتناء أشياء جديدة بين الحين والآخر أمر لابد منه، ليس فقط لحاجتنا للأشياء بشكل ملح، بل لأن الظهور بمظهر حسن على سبيل المثال بات من الأمور المطلوبة اجتماعيا، كما أن مجارات الموضة وتطورات العصر قد تتطلب منا ما بين الحين والآخر أن نقتني بعض الأشياء غير الملحة إنما بشكل معقول ومسيطر عليه. إلا أن تهافت الناس بشكل كبير في جميع المواسم على الشراء والتكديس أمر بات ملاحظا بشكل كبير، والملفت للنظر أن رؤيتنا لبعض الحالات التي تسرف في الإنفاق والتسوق بشكل مهوس وخارج عن السيطرة، قد تثير انتقاداتنا، وسخريتنا أحيانا، فعرض قصص لبعض الأشخاص العرب والأجانب على التلفزيون ممن يصلون إلى حد الإسراف في الاقتناء والتجميع، أثار دهشة الكثيرين، من دون أن ينتبه البعض إلى أننا نمارس مماراسات مشابهة إنما بطريقة ألطف وأخف.
ولا تقتصر المبالغة في التسوق على الأناس المهوسين، فكثيرون هم من يقعون في شباك الإعلانات المبالغة، أو حتى الصادقة، فالإعلان عن حسومات تصل إلى 70 في المئة لن تضمن للمتسوق الخروج من المحلات والجيب مازال ممتلئا، فالتخفيضات قد لا تشمل كل شيء أو أنها تطبق على حاجيات لا يمكن استعمالها مباشرة في هذا الموسم، كأن تخفض قيمة المشتريات الصيفية مع دخول فترة الشتاء، وتبقى التخفيضات هي طريقة لجذب المشتري إلى المكان أولا، والذي قد يرى أنه بحاجة لأمر لا حسومات عليه فيقتنيه، وبهذا يكون موسم التخفيضات هو موسم لإعلانات ولافتات التخفيضات بشكل أساسي وليس للإنفاق القليل.
وأهم ما في موضوع التسوق في المواسم، أنه يبدأ بحاجة ورغبة باقتناء شيء جديد، يتبعه بحث ولف وذهاب وإياب للوصول إلى ما يناسينا، وغالبا ما ينتهي بألم في الأرجل والظهر والجيوب التي أعلن عن إفراغها في صناديق المتاجر.
العدد 2262 - الجمعة 14 نوفمبر 2008م الموافق 15 ذي القعدة 1429هـ