لقد أصبح واضحا أنّ الإدارة الأميركية تريد لفشلها في المنطقة أن يتحوّل إلى مشكلة للآخرين عموما، والشعوب الإسلامية والعربية خصوصا؛ لأنّها تريد لهذه الشعوب أن تدفع فاتورة هذا الفشل؛ لأنّها تعدها المسئول الأوّل عنه، بفعل حركات المقاومة والممانعة التي انطلقت من هذه الشعوب واستطاعت إرباك المشروع الأميركي وإحداث أكثر من خرق في الجدار الاستراتيجي الإسرائيلي.
ولذلك، فإنّ ما تشهده المنطقة من انقسامات داخليّة، ومن تفاعل لهذه الانقسامات بشكل خطير، هو جزء من الخطّة الأميركية التي رُسِمت منذ البداية على أساس توحيد المنطقة تحت راية المشروع الأميركي - الإسرائيلي، أو تقسيمها وتشتيت قواها إذا ما دخل هذا المشروع في أطوار الفشل ومراحل المعاناة.
من هنا، فإنّ إدارة الرئيس الأميركي لا تريد لأيّ حوار جدّي بين الفئات السياسية المختلفة في الساحة العربية أن يأخذ مداه، أو يصل إلى نتائجَ إيجابيّة حاسمة؛ لأنّها لاتزال تتطلّع إلى رؤية «إسرائيل» آمنة وسط واقع عربي وإسلامي قلق ومضطرب ومتفجّر. ولذلك، فإن هذه الإدارة هي المسئول الأوّل والأخير عن تعقيد العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية، ووصولها إلى هذا المستوى من الاضطراب الذي يُصرّح فيه مسئول رسمي فلسطيني كبير بأنّه لن يُحاور أبناء شعبه، في الوقت الذي يفتح فيه ذراعيه لمعانقة رئيس وزراء العدوّ، كما أنّ إدارة بوش تتحمّل المسئوليّة الكبرى عن وصول الوضع اللبناني إلى هذه الحال من التأزم السياسي، والتي تنذر بمرحلة تزداد فيها التعقيدات على كلّ المستويات، السياسية والاقتصادية، وربّما الأمنية.
إنّ الإدارة الأميركية التي عملت مع «إسرائيل» لتفجير اتفاق مكّة بين «حماس» و «فتح» هي التي هيّأت الأجواء لفوضى فلسطينية داخليّة، إضافة إلى الأخطاء والارتكابات التي حصلت ومهّدت السبيل أكثر نحو انقسام فلسطيني على مستوى واسع؛ حتّى إنّ بعض الأطراف العربيّة تمارس دورا سلبيا لرعاية هذا الانقسام بطلب وضغط أميركيين؛ لأنّ أميركا تعمل لأمر واقع فلسطيني يُصار فيه إلى قتل مشروع الدولة الفلسطينية من الداخل؛ ولذلك فإنّنا نعد كلّ محاولات الانفتاح على «إسرائيل» والانغلاق على الداخل الفلسطيني هي محاولات مشبوهة وتتّسم بالطابع الخياني، وتؤسّس لمرحلة من الاحتراب الفلسطيني طويل الأمد، إفساحا في المجال أمام «إسرائيل» لاستكمال بناء الجدار وإتمام حركتها الاستيطانية وتهويد القدس بالكامل، بالإضافة إلى البناء العسكري الاستراتيجي الذي تعاود تأسيسه في هذه الأيّام وفق قواعدَ جديدة تدعمها فيه الإدارة الأميركية على قاعدة استهداف إيران وكلّ مواقع الممانعة والمقاومة في المنطقة، وهو ما ظهر جليا في المناورات الإسرائيلية - الأميركية المشتركة، وفي زيادة الاهتمام الأميركي بطموحات أولمرت العسكرية خلال زيارته الأخيرة لواشنطن.
إنّ على العرب أن يعرفوا أن مؤتمر شرم الشيخ القادم لن يكون إلا مناسبة للعمل على تعميق الشرخ داخل الساحة الفلسطينية، من خلال ارتماء بعض العرب وبعض الفلسطينيين في أحضان «إسرائيل» التي ستزيد الكلام عن الإفساح في المجال أمام المساعدات الإنسانية كي تصل إلى الشعب الفلسطيني مع زيادة التخطيط لتعميق الانقسام الفلسطيني الداخلي؛ ما ينذر بفوضى فلسطينية أكبر ما لم يتدارك العقلاءُ الموقفَ بالعودة إلى الحوار الذي لا بديل منه إلا مزيدا من الضياع والتشتّت للشعب الفلسطيني وقضيّته.
إقرأ أيضا لـ "السيد محمد حسين فضل الله"العدد 1754 - الإثنين 25 يونيو 2007م الموافق 09 جمادى الآخرة 1428هـ