العدد 1754 - الإثنين 25 يونيو 2007م الموافق 09 جمادى الآخرة 1428هـ

لبنان وسياسة المغامرات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

حادث التفجير الذي استهدف أمس الأوّل القوات الدولية (اليونيفل) العاملة في الجنوب اللبناني وأدى إلى مقتل 6 جنود أسبان أعطى إشارة سلبية تضاف إلى تلك التي تشهدها الساحة اللبنانية منذ العدوان الأميركي - الإسرائيلي في الصيف الماضي. فالبلد منذ تلك الفترة انكشف وانفتحت ساحته على تجاذبات أهلية واستقطابات إقليمية تتحرك على إيقاعات دولية بدأت منذ قرار التمديد للرئيس أميل لحود وصدور القرار 1559.

صيف لبنان كما تبدو الأمور من تلك الإشارات التي تطلق في الشمال (معارك النهر البارد) إلى بيروت (تفجيرات واغتيالات) إلى الجنوب (إطلاق صواريخ ومفخخات) إلى الشرق (تهريب أسلحة وإنشاء قواعد عسكرية) يتجّه نحو التصعيد. وسخونة صيف لبنان لن تقتصر على مساحة هذا البلد الصغير وإنما يرجّح أن تكون الحرارة مرتفعة في أكثر من منطقة وخصوصا في غزة والضفة والعراق.

حادث التفجير الذي وقع ضد القوات الدولية في الجنوب يعتبر إشارة سلبية في اتجاه جرجرة لبنان إلى دائرة الفوضى الهدّامة حتى لو كان الطرف الذي بادر إلى شن الهجوم مجرد مجموعة صغيرة مجهولة الاسم والعنوان. فالهجوم رسالة قوية تريد اختبار مدى قدرة الدولة اللبنانية على تحمّل المزيد من الضربات العنيفة، وهو أيضا رسالة موجّهة ضد المقاومة (حزب الله) بقصد إحراجها ووضعها في زاوية ضيّقة. فمَنْ فعلَ هذا الأمر وضع في حساباته مجموعة غايات تستهدف جس نبض القوى العاملة على الأرض واختبار قدرتها على التأقلم ومدى استعدادها على التحمّل أو المواجهة.

هناك إذا مجموعة رسائل منها يتصل بالدور الدولي في الجنوب وصلته بتلك القرارات التي صدرت عن مجلس الأمن بشأن لبنان بدءا بالتمديد القسري واللادستوري في العام 2004 وانتهاء بإنشاء «المحكمة الدولية» تحت الفصل السابع. ومنها تتصل بالجانب الإقليمي وامتحان قدراته السياسية واللوجستية في مواجهة استحقاقات متراكمة ومترابطة وعابرة للحدود وتمتد من بغداد إلى غزة. ومنها أيضا ذات طبيعة داخلية تضع الدولة والمقاومة من جديد أمام امتحان قاس وربما أقوى من ذاك العدوان الذي شهده البلد في يوليو/ تموز الصيف الماضي.

قراءة حادث التفجير ضد القوات الدولية لابدّ أن تكون شاملة حتى لو كان الطرف الذي ارتكب الهجوم مجرد مجموعة صغيرة. فالفعل كبير وأخطر من تلك الحوادث التي عرفتها الساحة اللبنانية خلال الشهور الأخيرة. وبهذا المعنى لا يمكن عزل الهجوم عن مجموعة تكتيكات وخطوات أخرى. فالعزل يؤدي إلى تصغير المشكلة وضبطها في إطار جغرافي محدود في وقت تظهر كل المشكلات على الشاشة الإقليمية بشكل مترابط تتداخل فيه الأسباب بالنتائج. وعلى هذا الأساس لابدّ من النظر إلى الحادث في سياق متدحرج محليا وإقليميا.

محليا تبدو السياسة اللبنانية مقفلة ومحاصرة وهي تعاني من ازدواجية في المعايير وثنائية في القرار. وإقليميا تبدو السياسات العربية مقفلة ومحاصرة بدورها إقليميا ودوليا وهي أيضا تعاني من ازدواجية في المعايير وثنائية في القرار وعدم وضوح الرؤية وانتفاء القدرة على الحسم بهذا الاتجاه أو ذاك.

هذا الضعف العام المعطوف على ضعف لبناني خاص يرسم صورة سلبية عن احتمالات يرجح أن تقع في الفترة المقبلة لإعادة توضيح خطوط التماس الإقليمية وموقعها أو دورها في دائرة «الشرق الأوسط». هناك قوى إقليمية تتحرك على الساحة اللبنانية وهي تبدو في حال قلق وترقب تنتظر الاتجاه الذي تريد الولايات المتحدة الذهاب إليه. فواشنطن تمربدورها في حال من الارتباك ولم تحسم أمرها بشأن الأزمة العراقية، وهي أيضا غير قادرة على التصرف بحرية مطلقة كما كان أمر الإدارة قبل الانتخابات التشريعية النصفية التي جرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي.

قلق وتوتر

عدم وضوح الرؤية الأميركية يربك بدوره القوى الإقليمية الفاعلة في مختلف أنواعها واشكالها وألوانها. مثلا هل واشنطن تريد الانسحاب من العراق نهائيا أو جزئيا أو أنها تريد تجميع قواتها في قواعد عسكرية ومهابط طيران إلى نهاية 2008 أو قبل ذلك أو بعد؟

غموض الجواب الأميركي يربك القوى الإقليمية ويضعها في سياق قراءات متعارضة تبدأ بالتأكيد على فشل الولايات المتحدة وعدم قدرتها على خوض مغامرة عسكرية جديدة وتنتهي بمخاوف من أن تسلك واشنطن طريق المواجهة لحسم سلسلة خيارات جاءت من أجلها حين قررت الحرب الدائمة على المنطقة العربية - الإسلامية.

الغموض الذي يحيط بالسياسة الأميركية يقلق القوى الإقليمية ويضعها أمام خيارات متعارضة، فهي من جهة تبدي استعدادها للحوار والتفاوض وتبادل المعلومات واقتسام النفوذ، وهي أيضا من جهة أخرى تعلن عن استعدادها للتصدّي والدفاع ومواجهة أي خرق لحدودها وحقوقها.

هذا التوتر الإقليمي المعطوف على غموض السياسة الأميركية يعطي فكرة موجزة عن الكثير من الأفعال والأعمال والتفجيرات والحرق والقتل والسلب كما يحصل دائما في العراق أو يحصل أحيانا في لبنان أو كما حصل أخيرا في غزة. لذلك تسجل تلك التصرفات السلبية والشنيعة والمجنونة في خانة «المجهول». فكل الأطراف تعلن استنكارها وتستهجن تلك الأفعال. وكل فريق يتهم الآخر أو ينسبها إلى قوى خفية وأشباح وطوابير. وكل فصيل أو دولة أو جهة يرى أن ما يحصل لا فائدة منه سوى زعزعة الاستقرار ونشر الفوضى أوأن لا مصلحة له في الإقدام على مثل هذه الجريمة أو تلك. وما حصل في الجنوب أمس الأوّل يقع ضمن هذا المضمار السياسي الذي يتحرك في إطار القلق والتوتر وعدم وضوح الرؤية. فالكل يراهن كما يبدو، والكل يحاول أن يلعب لعبته الأخيرة ويغامر بتداعياتها وانعكاساتها لعلّه يكسب في نهاية الشوط.

الاستعداد للمغامرة يضع المنطقة فعلا أمام حافة الهاوية ويعرض مختلف قواها لامتحان عنيف لا تعرف نتائجه منذ الآن. وحين تكون إدارة تقود دولة من حجم الولايات المتحدة على أهبة الاستعداد للمغامرة فمعنى ذلك أن المنطقة تصبح معرضة لكل الاحتمالات وخصوصا إذا اتجهت القوى الإقليمية والمحلية إلى لعب سياسة المغامرة نفسها.

من افتعل ذاك الهجوم على القوات الدولية في الجنوب يمكن تصنيفه من النوع المغامر الذي لا يقرأ جيّدا أو يحسب الأرقام بأسلوب بسيط وساذج. فإذا كان هذا الطرف تصرّف لوحده ومن دون ارتباط أو تحريك خارجي أو إقليمي أو دولي فمعنى ذلك أنه ضرب ضربته في سماء صافية ولن يكون لها ردة فعل. وإذا كان الطرف المجهول قد نفذ عمليته لحسابات أخرى فمعنى ذلك أن الضربة ليست معزولة ولن تكون الأخيرة وإنما هي بداية في سلسلة حلقات.

وفي الاحتمالين لابدّ أن يكون لكل فعل ردة فعل. وحتى الآن تبدو ردود الفعل الدولية تشير إلى أن الأمم المتحدة لن تخاف أو تتراجع أو تفكر في سحب أو تجميع قواتها. وهذا يعني أن الطرف الذي قام بالعملية فشل في توظيف المسألة سياسيا وبات عليه أن يعيد الكرة في حال كان ينفذ أوامر تخضع لتوجيهات دولية أو إقليمية أو محلية. والتكرار سيضع فعلا الأمم المتحدة أمام امتحان قوي يضغط عليها للإجابة عن سؤال: ما هي فائدة الاستمرار في التمسك بالقوات الدولية في جنوب لبنان في حال فقدت دورها ووظيفتها؟

السؤال يفتح الباب أمام أجوبة تتراوح بين احتمال تعزيز القوات وتطوير صلاحياتها ونقلها من الفصل السادس (القرار 1701) إلى السابع (الحق باستخدام القوة) أو اتخاذ قرار دولي بالانسحاب وترك الحدود اللبنانية - الإسرائيلية مفتوحة أمام مواجهة عنيفة وتكرار تجربة حرب الصيف الماضي.

ربما يكون الطرف الذي أقدم على الهجوم لم يفكّر في التداعيات لكنه، وبغض النظر عن كونه خلية واحدة (نائمة أو يقظة) أو جزء من شبكة تخطط لتنفيذ سلسلة عمليات، نجح في توجيه رسالة قوية للأمم المتحدة وقواتها العاملة في الجنوب. فالضربة أسقطت صفة الحياد عن القوات الدولية وحشرتها في زاوية الدفاع وربما ضغطت عليها للانتقال إلى موقع الهجوم واتخاذ موقف الانحياز في المعادلة الدولية - الإقليمية التي تم تركيبها بعد العدوان.

هذا الاحتمال هو المرجح في حال تكرر الهجوم على القوات الدولية. إلا إن استبعاد الاحتمالات الأخرى ربما يكون من الحسابات الخاطئة. ومن تلك الترجيحات غير الواردة الآن هي اتخاذ قرار بسحب القوات الدولية وهذا يعني بكل بساطة عودة التوتر إلى الحدود اللبنانية - الإسرائيلية والشروع في تنظيم حرب جديدة يرجح أن تتخذ سيناريو ميدانيا يختلف في تفصيلاته عن ذاك العدوان الجوي الذي شهده لبنان في الصيف الماضي. فالبلد انكشف آنذاك وتحوّل إلى ساحة مفتوحة. وحين تكون الساحة مفتوحة على كل الاتجاهات تصبح الاحتمالات مطروحة بقوة سواء بفعل محلي أم لدوافع خارجية وإقليمية.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 1754 - الإثنين 25 يونيو 2007م الموافق 09 جمادى الآخرة 1428هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً